عبدالله الجنيد

الرياض واشنطن.. حالة جفاء

الاحد - 04 فبراير 2018

Sun - 04 Feb 2018

العلاقة بين واشنطن والرياض هي ليست في أحسن أحوالها منذ اعتراف الرئيس ترمب بالقدس «عاصمة إسرائيل الأبدية»، إلا أن فرض واشنطن لنفسها طرفا في الأزمة الخليجية في حين تفضل الرياض الاكتفاء بما حققته إلى الآن من احتواء للسياسات القطرية قد يؤثر على جهودهما المشتركة في ملفات أخرى.

ومن مفارقات هذا التطور في العلاقات الثنائية هو أن ما باعد بين الرياض وواشنطن قد قرب بين الرئيس ترمب ووزير خارجيته ركس تليرسون، أي القدس والدوحة. فالرئيس ترمب فسر توافق الرياض تفويضا بقبول كل ما يصدر عن البيت الأبيض من سياسات. إلا أن قرار القدس يعد تجاوزا لأحد الثوابت السعودية المبدئية والذي لن يخدم استراتيجية تحقيق الاستقرار المستدام في الشرق الأوسط.

الرياض قدمت الكثير قبيل القمة بإزالتها أكبر العقبات من طريق استئناف مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية والتي لطالما تحجج بها نتنياهو، حيث نجحت الرياض في إقناع حماس بتعديل ميثاقها الوطني والاعتراف بحدود 1967 بالإضافة للانخراط في مصالحة وطنية مع منظمة التحرير الفلسطينية بإشراف مصري إماراتي في القاهرة لاحقا. أما القمة الإسلامية الأمريكية، فقد وفرت على إدارة الرئيس ترمب جهد سنين من الدبلوماسية في التصالح مع العالم الإسلامي بعد كل ما صدر عنه والإدارات المتعاقبة منذ انطلاق الحرب ضد الإرهاب في

حضور 55 من زعماء تلك الدول أو ممثليها، مما مثل انطلاقة جديدة للعلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي.

الأزمة الخليجية مثلت نقطة خلاف حقيقية بين الرئيس ترمب ووزير خارجيته ركس تليرسون بعد افتراض الأخير وجوب قبول الرياض بالاتفاق الإطاري لمحاربة مصادر تمويل الإرهاب مع قطر كبديل عن اتفاقيتي الرياض 2013 و2014 كونها الطرف الدولي الضامن بالإضافة للكويت حسب طلب الرباعية. إلا أن رفضها ذلك استند لتجاوزه أسسا مبدئية أولها ازدراء طرف (قطر) لمواثيق ملزمة لدول ذات سيادة أعضاء في منظمة سياسية إقليمية (مجلس التعاون لدول الخليج العربية).

كلتا المسألتين من المنظور السعودي تعيدنا بالذاكرة لسياسات أمريكية منفردة كغزو العراق دون احتساب نتائج ذلك على المنطقة سياسيا أو خسارتها ثقة جزء كبير من حلفائها، مع أن ترمب كان يأمل إقناع الرياض القبول بشرط نتنياهو اعتراف الولايات المتحدة المسبق بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل قبيل إعادة إطلاق عملية السلام. لذلك جاءت ردة فعل ترمب عنيفة من الجميع قبيل التصويت على القرار الأمريكي في الجمعية العامة للأمم المتحدة «إنهم يحصلون على مئات الملايين من الدولارات بل حتى مليارات الدولارات، ثم يصوتون ضدنا، حسنا نحن نراقب تلك الأصوات»، وأضاف قائلا للصحفيين في البيت الأبيض «دعهم يصوتون ضدنا، سنوفر الكثير من الأموال، الأمر لا يعنينا»، أما المندوبة هايلي فقد قالت «نعتبر التصويت إهانة»، و»أن الرئيس كلفني بتسجيل الدول التي ستصوت ضد القرار».

محاولة احتواء أضرار قرار القدس عبر جولة نائب الرئيس الأمريكي بنس فشلت في تحقيق الحد الأدنى المطلوب بغياب الرياض عن جدول جولته الشرق أوسطية وإيفاد بول رأيان رئيس مجلس النواب لاحقا في محاولة إصلاح أسيجة العلاقات الخاصة والتقليل من الأضرار.

لكن على ما يبدو أن كليهما قد فشل مما دفع بالبيت الأبيض الاستثمار تكتيكيا في ملف الأزمة الخليجية عبر إعادة الانخراط Reengagement.

إلا أن الرياض قد ترى في ذلك تحولا في موقف الرئيس باعتماده مبدأ تليرسون المرفوض من قبلها سلفا لحل الأزمة. فالخارجية الأمريكية ترفض الاعتراف بحقيقة أن الدوحة ما كانت لتوقع على اتفاقية محاربة الإرهاب أو مصادر تمويله لولا موقف الرباعية المقاطع للدوحة، وأنه من الإجحاف في حق الرباعية القبول بمناورة الالتفاف القطري حول التزاماتها تجاه جاراتها الخليجيات. الفتور «النسبي» بين الحليفين هو نتيجة توجس واشنطن من ممارسة الرياض لاستقلالية تامة في صياغة سياساتها جيوسياسيا، ورفضها التام بمبدأ كامب ديفيد لإنجاز مصالحة في الأزمة الخليجية. فالرياض تدرك ما يمثله كامب ديفيد من رمزية سياسية قد تكون أقرب لبيت الطاعة الأمريكي في قضايا الشرق الأوسط. لذلك تصر الدوحة على ذلك المكان لما له من دلالات وأولها تساوي مقامات الأطراف سياسيا في حضرة الرئيس ترمب.

إعادة الاستقرار والسلام المستدام للمنطقة كانت صلب قمة الرياض، إلا أن ذلك قد يتعطل نسبيا بعد قرار القدس. لكن من الخطأ افتراض أن قرار ترمب لا يحظى بقبول لدى الكثير ممن صوت ضد أو امتنع عن التصويت لصالح القرار، فالكثير من الحلفاء وحتى الإسلامي منها يريد طي صفحة هذا الملف شريطة تحميل الرياض أعباء ذلك. أما «الحوار الاستراتيجي القطري - الأمريكي» الذي عقد مؤخرا في واشنطن بين وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين ونظيريهما القطريين ليس في حقيقة الأمر إلا تكملة للاتفاقية الإطارية التي وقعت في الدوحة تحت عنوان محاربة تمويل الإرهاب، أما من المنظور الأمريكي، فهي محاولة لاحتواء مخاطر عسكرة الأزمة بما في ذلك ضمان عدم تطور العلاقات القطرية الإيرانية التركية عسكريا. هذا التوتر أو حالة الجفاء بين الرياض وواشنطن تأتي في ظروف خاصة جدا لكليهما، وفي ظل غياب قيادات دولية ذات ثقل قد تكون راغبة في لعب دور الوسيط بين العاصمتين. فالرئيس ترمب خسر حتى بريطانيا أقرب حلفاء الولايات المتحدة في التصويت لصالح قرار القدس.

لذلك قد يكون من الأفضل ترحيل بعض الملفات الخلافية الآن، وربما قد يكون من الأفضل أن يستمع الرئيس ترمب لنصيحة كبير موظفي البيت الأبيض بضرورة التوقف عن الحديث، لأنه دائما ما يستفز الخصوم والأصدقاء على حد سواء. تحديات احتواء مصادر التهديد القائمة والمستقبلية لأمن الشرق الأوسط تستوجب إعادة التناغم التام إن لم نقل التطابق التام بين واشنطن والرياض، واستراتيجيتهما المتقاربة في أفريقيا تستوجب التكامل التام مع حلفاء آخرين.

@aj_jobs