مسابقة اقرأ أرامكو هل تتحول إلى نوبل جديدة

لا حياة دون مبدأ، ومن كانت حياته بلا مبدأ فهو حقا يعيش على هامش الحياة لا قيمة لوجوده ولا فقد لبعده، ولهذا فإن كل التجمعات البشرية لا بد لها من مبادئ وقيم تؤمن بها وتنظم سير عملها وتنطلق من فلسفة تلك القيم لكي تحقق أهدافها المرسومة لها.

لا حياة دون مبدأ، ومن كانت حياته بلا مبدأ فهو حقا يعيش على هامش الحياة لا قيمة لوجوده ولا فقد لبعده، ولهذا فإن كل التجمعات البشرية لا بد لها من مبادئ وقيم تؤمن بها وتنظم سير عملها وتنطلق من فلسفة تلك القيم لكي تحقق أهدافها المرسومة لها.

الأربعاء - 05 نوفمبر 2014

Wed - 05 Nov 2014



لا حياة دون مبدأ، ومن كانت حياته بلا مبدأ فهو حقا يعيش على هامش الحياة لا قيمة لوجوده ولا فقد لبعده، ولهذا فإن كل التجمعات البشرية لا بد لها من مبادئ وقيم تؤمن بها وتنظم سير عملها وتنطلق من فلسفة تلك القيم لكي تحقق أهدافها المرسومة لها.



وتستمد القيمة قيمتها من مدى قداستها لدى المؤمنين بها، لا سيما والقيمة هي مقياس لضبط الأفعال الخيرة المتمثل بالشعور بالواجب الذي يصوغ أساليب السلوك وأنواع التصرف الإنساني.

وأرامكو السعودية جزء من تلك التجمعات البشرية العائمة في تجمعات بشرية أكبر منها، ولا يخفى على ذي لب من هي أرامكو السعودية، ليس للمجتمع السعودي أو حتى الإقليمي بل للمجتمع العالمي بما تلعبه من دور حيوي في تحريك بوصلة اقتصاديات العالم.

وأرامكو السعودية ترتكز على قيم تفاخر بها وتلتزم بها حد التطبيق الفعلي، مما جعل أرامكو الإنسان متشربا لتلك القيم وممتزجة بشخصيته الذاتية مما جعله مضرب المثل في الانضباط والتطبيق، وبالتالي أضحت أرامكو الكيان نموذجا للمثالية في التعامل والالتزام الدقيق بتطبيق القيم المرسومة، الأمر الذي كفل لها نجاحات باهرة وجعل معدل الفشل دون درجة الصفر، وهذا الأمر جعلها محط الثقة الملكية الكريمة بإسناد عدة مشاريع حيوية لها في ظل الفقر المدقع من قبل متعهدي المشاريع الوطنية، مما سبب خيبة أمل كبيرة لدى القيادة العليا فاتجهت سفينة الإصلاح إلى أرامكو نظرا لما تتمتع به من سمعة على مستوى المجتمعين المحلي والدولي من احترام مواعيدها وتقدير حرمة الوقت اعترافا بقيمته كمحرك رئيس في عملية النجاح أو الفشل.

وبعد أن حظيت أرامكو بهذه المكانة المستحقة تجاوزت كل عبارات المديح والإطراء في عالم التميز والإبداع، بل المبادرة بخلق مساهمات مجتمعية من شأنها النهوض بمواطن هذا البلد الكريم، فكان أن نظرت بعين الخبير وسبرت إحدى عوامل الفقر المعرفي ألا وهو عداء المواطن للقراءة التي هي عصب الرصيد المعرفي لأي مجتمع، وبدونها يستحيل التقدم أو الترقي في سلم الحياة ناهيك عن الوصول إلى النجاح المأمول. 

من هنا كان ذكاء اختيار الفكرة تجسيدا لإحدى قيم أرامكو السعودية ألا وهي المواطنة وقد انطلقت الفكرة بفكرة أكثر ذكاء وهي إنشاء مركز الملك عبدالعزيز الثقافي المعرفي الإثرائي لأرامكو السعودية ويكمن الذكاء في أمرين وهما:

الأمر الأول: حسن اختيار اسم المركز، وهو اسم المؤسس لهذا الكيان الملك عبدالعزيز رحمه الله، وهو اعتراف بدوره في بناء هذا الكيان. 

الأمر الثاني: هو أن وجود مثل هذا المركز في مثل هذه الشركة تطبيق لأعلى استراتيجيات إعطاء الصلاحيات لأهل التخصص، وهذا أيضا عمل احترافي يبرهن على أهلية إدارة أرامكو السعودية العليا، وهو ما ضمن لهذا الكيان النجاح المتواصل.

ولعلي لا أسهب كثيرا في احترافية أرامكو الإدارية لأن تعريف المعرفة كما يقال هو تنكير لها ولكنني أعود إلى الفكرة الخلابة، ألا وهي مسابقة اقرأ والتي تعتبر تغريدا لأرامكو خارج سرب مثيلاتها من شركات النفط العالمية، استشعارا منها لأهمية مطابقة الفعل للشعارات المكتوبة وتفعيلا حيا لمعاني تلك القيم المنطلقة من الفهم العميق لمعناها، وإيمانا صادقا بمحتواها، نعم إنها قيمة المواطنة كما أسلفت آنفاً.

وتعد فكرة مسابقة اقرأ بادرة خلاقة على كافة المستويات، سبرت حاجة المجتمع الأكيدة للثقافة المعرفية التي باتت غريبة على مجتمعها الفطري، كيف لا وهو الأمر الإلهي الأول لهذه الأمة حيث قال تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، فأي شرف ترنو إليه القراءة بعد هذا الشرف وأي خسارة تلك التي يمنى بها من عزف عنها.

والمؤسف أنه برغم هذا الشرف العظيم لفضل القراءة والأمر الصريح، إلا أنها باتت تتسول أهلها في مجتمع أضاعها إلا من فئة قليلة جدا يعدون هم الفئة النخبوية، هذا العزوف المرير عن القراءة أفرز لنا جيلا ثقافتهم سطحية جوفاء تقنع بالقشور، ونتج عن ذلك تخلف معرفي فاضح، وقد ناقشت المؤتمرات واللقاءات والدوريات هذه المشكلة المعضلة التي استشرت ليس في المجتمع المحلي وإنما على مستوى المجتمع العربي ككل، وكما هو حال الفشل دائما كانت مرارة الحلول التي لم تعد كونها مكتوبة وطواها النسيان فلم تكن هناك نتائج ملموسة بل كانت مخيبة للآمال، لأن نسب الجهل المعرفي في ازدياد مطرد والحلول تسير في حياء العذراء في خدرها.

وكنتيجة حتمية فإن هذا العزوف جعل المجتمعات العربية تتذيل الترتيب العالمي معرفيا وصناعيا بكل جدارة واستحقاق.

نظرت أرامكو السعودية إلى هذه الظاهرة بعين الخبير الغيور على مجتمعه والمتلمس لتطلعات القيادة الحكيمة، فكان أن رأت بنظر ثاقب أن القراءة هي الركيزة الأساسية لنهوض هذا المجتمع معرفيا، مما يترتب عليه نهوض آخر في ميادين أخرى في شتى مناحي الحياة. 

فولدت هذه الوليدة البارة بمجتمعها وأعني فكرة مسابقة اقرأ التي بدأت بمخاطبة الذائقة المعرفية ومن ثم رصدت الحافز المعنوي المؤطر بحافز آخر وهو المادي المحسوس، وهذه الفكرة ليست وليدة ترف أو رفاهية لأن هذه البنود ملغية تماما في أدبيات أرامكو السعودية، بل هي حاجة مجتمع وقبل ذلك أمة، ولكن لعل أرامكو حذت حذو النهج الرباني في هذا السياق انطلاقا من قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين)، وتبلورت بأمانة مسؤول حاذق يعي مسار الأحداث ويعلم تماما ماهي نتائجها.

وقد يقال إن هناك جمعيات عنيت ونادت إلى فضل القراءة، أقول نعم، ولكنها افتقرت إلى وضوح الهدف وكانت تسعى إلى انتشار إعلامي ففشلت بعكس أرامكو التي تسير بخطى ثابتة وفق منهجية مدروسة خلال مراحل معينة لأهداف معينة مسبقا، وهنا يكمن الفرق حيث الاحتراف والإبداع.

وإنني إذ أقف على مشارف ولادة هذه الفكرة النيرة فإنني استشرف مستقبلا زاهرا لها ولا غرو فإن هذه الفكرة هي إفراز عقول لبيبة ناضجة صادقة، وأنفس نقية.

ولعلي أمني النفس أن أرى صدى هذه الفكرة عربيا بل الطموح أكبر من ذلك بأن أراها عالميا تنافس نوبل وغيرها وليس ذلك على الله بعزيز، ما دامت النية صادقة والعمل جادا والمحرك الأول أرامكو الإنسان تلك الهمم العالية، وعندها لابد من كلمة شكر – نعم شكرا أرامكو الكيان وشكرا أرامكو الإنسان. 

بقي أن نقول ما أجملها يا أرامكو من فكرة.