الاستراتيجية تشغل الساسة والباحثين وراصدي جبهات تحرك التاريخ

 

 

الاحد - 02 نوفمبر 2014

Sun - 02 Nov 2014



 



يعد كتاب “الاستراتيجية” للمؤلف لورانس فريدمان واحدا من أهم الأعمال في مجالات العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية، التي ظهرت في السنوات الأخيرة، وصنفته مجلة “فورين أفيرز” (شؤون خارجية) كتاب العدد (سبتمبر وأكتوبر 2014) نظراً إلى أهميته العلمية، وكذلك لأن موضوع الاستراتيجية أصبح الشغل الشاغل للساسة والباحثين والإعلاميين في العالم كله، كما أنها أكبر كلمة تعرضت للانتقادات الحادة منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما الحرب على داعش في 11 سبتمبر الماضي.

فموضوع الاستراتيجية أصبح محور اهتمام المنظرين والأكاديميين السياسيين، ويدرس على نطاق واسع، وغالبا ما يستخدم مصطلح “الاستراتيجية” للحكم على السياسات العامة وتقييمها، وهو يهتم برصد ومتابعة الجهات الفاعلة والمحركة للتاريخ والغايات الكبرى.

لذلك يقسم فريدمان “الاستراتيجية” إلى ثلاثة أقسام رئيسية: “استراتيجية القوة” و”استراتيجية القاع” و”الاستراتيجية الفوقية”، فيما يشبه ثلاثة كتب منفصلة في كتاب واحد.




  • الكتاب: Strategy الاستراتيجية


  • المؤلف: lawrence freedman لورانس فريدمان


  • الناشر: oxford print centre مطبعة أوكسفور


  • 768 صفحة


  • التاريخ: 2013



 





عدم جدوى أي استراتيجية معدة سلفا



“استراتيجيات القوة” هو أكبر أقسام كتاب فريدمان، والأقرب إلى المناقشة الكلاسيكية لماهية الحروب والحملات العسكرية، والجنرالات والأدميرالات. ولكن بدلا من تحليل الحملات العسكرية الاستراتيجية على أرض المعركة، يحاول أن يستخلص نظرية الاستراتيجية من خلال الحرب نفسها. والغلاف الأمامي للكتاب، يظهر نموذجا لحصان طروادة حسب الملاحم اليونانية القديمة، أو الخدع العسكرية التاريخية الكبرى، والتي تطلبت كثيرا من التكتيكات والمهارات العقلية والمادية، والعقيدة العسكرية التي تلهب روح المحارب، والغاية من الحرب، وغيرها من أمور تتعلق بصميم الاستراتيجية، ومع ذلك فإن “استراتيجية القوة” لم تبدأ إلا في 1815، بعد عصر نابليون، عندما ظهرت نظريات كاملة من الحرب في العالم الغربي.





كلاوزفيتز والقاعدة

فريدمان يقدم المنظرين العسكريين كارل فون كلاوزفيتز وهنري دي جوميني باعتبارهما من الآباء المؤسسين للفكر الاستراتيجي الحديث، وصاغا النضال الملحمي لأوروبا كما شاهداه، وأرسيا قواعد عامة للآلية التي تدار بها المعارك.

وعلى سبيل المثال لم يكتف كلاوزفيتز، بطرح أفكار عن توقيت المعركة (بداية أي معركة قد تكون محددة بدقة ولكن نهاية أي معركة لا يستطيع أن يتنبأ بها أكبر الاستراتيجيين) وقياس المسافة أو الشحن العاطفي للجنود، إنما أسهم أيضا في أهم نقلة في نظرية الحرب، وهي أن “السياسة” لا يجب أن تتوقف عندما يبدأ القتال، وأن الدولة اضطرت إلى القتال (مرغمة) حتى تحقق السلام المنشود لا العكس. وقد أكدت الأحداث اللاحقة في أوروبا، صحة أفكار كلاوزفيتز لا سيما بعد الحرب العالمية الأولى 1914 والتي صدمت الجنرالات قبل العامة، فعادوا مرة أخرى ليبحثوا في كتبه عن مخرج للفوضى التي وجدوا أنفسهم داخلها. إن أيا من المنظرين الاستراتيجيين المعاصرين اليوم، لا يستطيع أن يتجاوز هذا الثنائي (كلاوزفيتز وجوميني)، على الرغم من أن عصرنا أضاف عبر العلوم الجديدة والتكنولوجيا والكمبيوتر، أحدث البيانات والمعارف والخبرات المتراكمة.





أهم المدارس

وكذلك يتناول فريدمان أهم المدارس التي تأثرت بأفكار “استراتيجية القوة”، وأبرز الشخصيات مثل المفكرين العسكريين الألمانيين: هانز ديلبروك وهيلموت فون مولتك، والمحللين العسكريين للقوة البرية والقوة البحرية هالفورد ماكيندر، وألفريد ثاير ماهان، والاستراتيجي البريطاني في حرب المدرعات باسيل ليدل هارت، ومنظري العصر النووي برنارد برودي وهيرمان كاهن، وأخيرا، منظري حرب العصابات. لكن يبدو أن المؤلف يهدف إلى شيء أكثر عمقا وأكبر قيمة من مجرد سرد هذه المعلومات حول نظرية الاستراتيجية. إن فريدمان يؤكد أن حصول أي دولة على أكبر أسطول في العالم من شأنه السيطرة على البحار والمحيطات ما لم تع هذه الدولة جميع جوانب نظرية الحرب، وهو يستشهد هنا بمفكر استراتيجي أقل شهرة من كلاوزفيتز وجوميني هو جوليان كوربيت الذي يركز على الموقع الجغرافي أولا والاتصالات وطرق التجارة البحرية، والمفاصل المؤثرة عند مهاجمة العدو، حيث ينهي فريدمان هذا القسم الأول من نظرية الاستراتيجية، بالإشارة إلى تنظيم القاعدة “العدو المهم” أو العدو الذي أثبت للجميع أهميته فجأة وعلى غير توقع، وكيف أنه اعتمد على عنصر المفاجأة في الحرب وإرباك الخصم والعاطفة والأيديولوجيا والحظ، والأهم من ذلك أنه أكد للاستراتيجيين في العالم: عدم جدوى استخدام أي استراتيجية ثابتة أو معدة سلفا ضده!



 



 



المستضعفون وقوة الطبقة الدنيا



في القسم الثاني المسمى بـ «استراتيجية القاع»، ويقصد بها الاستراتيجية التي تركز على الطبقات الدنيا والمهمشين والمستضعفين والفقراء في المجتمع، يحاول فريدمان لفت انتباهنا إلى ما يسمى «استراتيجية المستضعفين» بعد عام 1789 ليؤكد مثل غيره من المفكرين في الغرب أن التغيرات الأكثر أهمية في التاريخ الحديث جاءت مع عصر التنوير الأوروبي والثورة الفرنسية، بينما يرى بعض علماء التاريخ أن هذه المظالم بدأت في أوروبا في تاريخ أبكر مع تسمير الراهب مارتن لوثر – مؤسس البروتستانتية - مطالبه على باب كنيسة فيتنبرج في عام 1517 ومن ثم بدأت وقتئذ أول استراتيجية شعبية في التاريخ الحديث. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الثورات الاجتماعية والسياسية التي هزت أوروبا حوالي عام 1648.

ويبدو أن المنظر الاقتصادي – الاجتماعي الشهير كارل ماركس، كان يعرف كل شيء عن هذه الحركات الثورية السابقة، بالطبع، ولكن كما يشرح فريدمان، رأى ماركس حركته مختلفة عن هذه الحركات، بالإضافة إلى وجود الدقة العلمية في تحليلاته لفكرة الاستراتيجية التحتية، وهي بعبارة واحدة: من أجل تدمير الرأسمالية يجب توحيد عمال العالم أولا.

هذا هو بالضبط ما أراده ماركس وشريكه في النضال الثوري فريدريك انجلز، حيث تجد نظرية كاملة وخارطة طريق عن الثورة التي بدأت في نهاية القرن التاسع عشر، حيث ارتبط تأسيس الاشتراكية الدولية بتوسيع نطاق انضمام المزيد من المستضعفين في الأرض.

ولعل أول من طبق خارطة الطريق لهذه الاستراتيجية هو فلاديمير لينين عقب عودته إلى روسيا من المنفى في أبريل عام1917، مدشنا شرارة الثورة البلشفية.

والفكرة الجوهرية في هذه الثورة صغيرة جدا ولكنها قوية جدا، لأنها عملت على تسريع ثورة الشعب الروسي، وتوظيف البندقية فضلا عن المنبر لإسقاط النظام من أسفل عبر الجموع الغفيرة.

لينين وتروتسكي غيرا مسار ثورتهما باتجاه اجتذاب المعجبين من شعوب العالم، ولا سيما المستضعفين، خاصة بعد وصول جوزيف ستالين إلى الحكم وسيطرة الدولة السوفيتية وانتقال فكرة استراتيجية القاع وتطبيقها في الصين مع ماو تسي تونج، ثم إلى فيتنام مع فو نجوين جياب، وهي الاستراتيجية التي ألهمت – وما تزال تلهم – العمال في العالم والحركات النسوية والسود والأقليات، كما أنها ألهمت حركات «اللاعنف» مع المناضل الهندي الكبير غاندي بأفكار مبتكرة، انتهاء بالمحافطين الجدد وحزب الشاي والجمهوريين من أمثال الرئيس رونالد ريجان، بل والحملة الناجحة التي اكتسح بها خصومه من الجمهوريين الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما والتي اعتمدت أساسا على «استراتيجية القاع».



 



 



السيطرة من أعلى.. أمريكا نموذجا



القسم الثالث من كتاب فريدمان يتناول «الاستراتيجية من فوق»، بدءا من الحرب العالمية الثانية حتى الوقت الحاضر. وهو يركز بشكل كبير على الأعمال التجارية والمديرين ورجال الأعمال وأصحاب النظريات خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. حيث دولة الرعاية الاجتماعية ومسؤولية الشركات الرأسمالية الكبرى عن المساواة الاجتماعية بالنسبة للعمال والموظفين، واستراتيجية العمل ومنظومته في أمريكا خلال السبعة عقود الماضية. ويتناول رجال الأعمال الكبار أمثال هنري فورد، وقد برز نموذج الأعمال الأمريكي من الإنتاج الضخم المخطط وأثبت قيمته وفاعليته بشكل كبير أثناء الحرب العالمية الثانية.

فقد سمح النظام الأمريكي ببناء السفن والدبابات والطائرات أسرع بكثير من خصوم الولايات المتحدة مما مكنها من الانتصار في الحرب.

وكان نتيجة لاتباع نموذج صناعي - عسكري جديد أن خرجت البلاد من الحرب باعتبارها أكبر قوة اقتصادية في العالم في كل العصور. وأصبح كل ما هو مطلوب للحفاظ على النمو بعد الحرب هو دراسة هذا النموذج من الأفكار الاستراتيجية الجديدة وتطويرها.





فريدمان يبرز اتجاهين غيّرا من فلسفة رجال الأعمال الأمريكيين في سنوات ما بعد الحرب:




  • 1 محاولة الشركات إيجاد طرق أفضل للإدارة وبالتحديد من أجل تعزيز قدرتها التنافسية.


  • 2 وصول نظرية الاختيار العقلاني في كليات إدارة الأعمال والحسابات الرياضية المنطقية لتعظيم الفائدة وهي تنطبق على جميع أشكال إدارة اليوم، من إدارة الأعمال لحساب مكاسب وخسائر الحرب الباردة، وهذه الطريقة البسيطة في النظر إلى الأشياء والتي تستخدم في العلوم الطبيعية أثبتت شعبية هائلة في العلوم النظرية، وبالأخص في أقسام العلوم السياسية.