فارس هاني التركي

مستقبل العملات

الاثنين - 29 يناير 2018

Mon - 29 Jan 2018

لا شك أن مستقبل العملات الورقية يشهد مراحله الأخيرة، خاصة إذا ما علمنا أن 8% فقط من العملات المتداولة في العالم عبارة عن عملات ورقية، والباقي يتم عن طريق استخدام البطاقات العادية أو بطاقات الائتمان أو تحويل الكتروني عبر المواقع المختلفة.

الأخطر من ذلك هو ظهور العملات الرقمية الجديدة أو ما يسمى بـ Cryptocurrency التي تستخدم تقنيات عالية للتشفير والتخزين Blockchain ولا تتبع لأي دولة أو اقتصاد محدد. أشهر هذه العملات هي Bitcoin والتي اخترعها شخص مجهول يدعى Satoshi Nakamoto وطرح فكرتها بطريقة غامضة على الانترنت ولقيت رواجا كبيرا، نظرا لمميزاتها الكبيرة والتي من أهمها انفصالها التام عن النظام النقدي العالمي، فلا توجد أي حكومة تتحكم بها، ولا يوجد أي بنك مركزي يحدد سعر الفائدة عليها، ولا توجد هناك بنوك تجارية تفرض رسوما عالية على تحويلاتها، والأهم من ذلك هو عدم وجود إلزام بالإفصاح عن هوية المتداولين فيها.

فكر خطير قد يأذن بانهيارات اقتصادية كبيرة وتغيير جذري في سوق العملات إذا ما تدخلت الحكومات في هذه التقنية مبكرا.

هذه المميزات الكبيرة والخطيرة لعملات الـ Cryptocurrencies جعلت سعرها يتضاعف بشكل مخيف وجعلت الحالمين في الثراء السريع يكررون مأساة الأسهم عام 2006 وذلك عندما باع بعضهم منزله وأغلى ما يملك واستثمر في شركات لا يعرف ماذا تبيع ومن يديرها وما هي ربحيتها الحقيقية!

الاستثمار في العملات الحقيقية والمعادن علم كبير، وهناك للأسف العديد ممن يستغل جهل الناس بسرقة أموالهم، واليوم تجد أن العديد بدأ يضع أمواله في العملات الرقمية الجديدة بدون تأن أو معرفة قوية بهذه العملات على الرغم من أن هذه العملات ليست لها أي أصول تدعمها، ولا يوجد خلفها أي دولة أو اقتصاد فهي قائمة على الثقة والثقة فقط

، ثقتك بأنها هي مستقبل العملات في العالم، ثقتك بأن هناك من سوف يشتريها منك بسعر أعلى، ثقتك بأن العديد من المتاجر الكبيرة سوف تبدأ بقبولها عند الدفع، ثقتك بأنه سوف يستحيل على الحكومات منعها.

هذه الثقة جعلت الطلب عليها يرتفع بشكل كبير، وجعل القيمة السوقية لجميع العملات الرقمية Cryptocurrencies والتي تشمل عملة Bitcoin و1,383عملة أخرى تتجاوز 600 مليار دولار في شهر يناير 2018.

هذا التضخم الهائل حصل على الرغم من أن العديد من المحللين الاقتصاديين أطلق عليها مصطلح Fool’s Asset فلا يوجد عقار يدر إيجارا ولا شركة تدر أرباحا، وقد اعتبرها المحلل الاقتصادي الشهير Martin Lewis شكلا من أشكال القمار. هي بالتأكيد ليست قمارا، ولكن التذبذب والتقلب العالي في أسعارها يجعل بعض المحللين يقول ذلك، والتقلب الكبير والخطير في سعر عملة Bitcoin مثال حي على ذلك، فبعد أن كان سعرها 5,800 دولارات في نوفمبر 2017 قفز إلى أكثر من 19,000 دولارا في ديسمبر 2017 ثم في الشهر الذي يليه هبط إلى 10,800 دولارات، وذلك في شهر يناير 2018.

السؤال والنقاش ليس فقط عن الاستثمار في هذه العملات، وإنما عن جدوى هذه العملات الرقمية ومستقبلها وصمودها. هل هي مجرد فقاعة أم هي فعلا المستقبل؟

أتوقع نعم، فبغض النظر عن كل عيوبها ولكن النظام المالي الحالي غير عادل ويشهد نكسات متتالية فأي نظام جديد متطور يمكن أن يكون هو البديل الحقيقي. القوى الاقتصادية الحالية لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى عملاتها النقدية الورقية تتهاوى، لذلك من المتوقع أيضاً أن تتولى هي زمام المبادرة وتكون الجزء الأكبر في أي تغيير قادم.

farooi@