أحمد صالح حلبي

دروس مريم الغامدي.. في المختصر

السبت - 27 يناير 2018

Sat - 27 Jan 2018

في لقائها ببرنامج المختصر بقناة mbc تحدثت الإذاعية والكاتبة والفنانة مريم الغامدي عن بداياتها الأولى في المجال الإذاعي، ونقلت بصدق دون رتوش أو تغييب للحقائق ما عانته في بداياتها الأولى، معترفة بكل صعوبة مرت بها، فكان لقاء جامعا شاملا، لم تدع فيه النجاح من أول وهلة، ولم تنكر بداياتها الصعبة، ولم تنس موطنها الباحة، فردت على كل سؤال طرح بلغة جيدة وأسلوب راق، معترفة بالصعوبات التي واجهتها، وافتخرت بالباحة كموطن ولادتها، ولم تكابر أو تنكر تواضع منزل أسرتها، فكان لقاء علميا تربويا قبل أن يكون إعلاميا، وجهت من خلاله رسائل شتى لأبناء وبنات جيلنا الحالي، مفادها أنه بالإصرار والعزيمة يتحقق الهدف.

ومن تابع اللقاء بشكل جيد يدرك أن نجاح الأستاذة مريم الغامدي اقترن بقدرتها على مواجهة التحديات والثقة بالنفس والتفاؤل الدائم، دون النظر إلى ما سيحمله البعض من أفراد المجتمع من انعكاسات سلبية، خاصة أولئك الساعين لمحاربة الناجحين، والنظر إليهم بتعال وكبرياء، معتقدين أنهم وحدهم من بلغ القمة في العلم أو المكانة الوظيفية أو الاجتماعية، متناسين أنهم كانوا إلى الأمس مجرد أطفال يلهون ويلعبون.

وإن كان من الطبيعي أن يواجه الإنسان معوقات في مسيرة حياته، وإحباطات كلما حاول أن يخطو لتحقيق أهدافه فإن قوة الإرادة هي المحرك الذي يحرك الشخصية الإنسانية، وقد أعادني لقاء الأستاذة مريم الغامدي لما قرأته عن حياة جون ميلتون الشاعر الإنجليزي الذي عرف من خلال قصيدته «الفردوس المفقود» التي كتبها عام 1667، ثم أصيب لاحقا بالعمى، فكتب أجمل روائعه الشعرية وهو أعمى، متحديا الصعوبات كافة، مثله في ذلك مثل بيتهوفن الملحن وعازف البيانو الألماني، والذي يعتبر من أعظم عباقرة الموسيقى في جميع العصور وأكثرهم تأثيرا، وما زالت أعماله الموسيقية خالدة حتى اليوم، فقد ألف سيمفونياته وهو أصم، ليؤكد الاثنان أنه بالإصرار والعزيمة تتحقق الأهداف.

ولعل الأجمل في لقاء أستاذتنا مريم الغامدي أنها لم تتحدث بلغة الأنا التي يرددها البعض معتقدا أنه الأول والأوحد، فلم تشر لذاتها وتتحدث عن نجاحاتها، لكنها تناولت تاريخها لتوضح لبنات جيلنا الحالي أن تحقيق النجاح لا يتحقق إلا بالعمل، فلم تقل إنها عملت ممثلة ومذيعة ومخرجة وكاتبة، وإنها حققت في كل جانب عملي نجاحا، أو تشر إلى أنها أول ممثلة سعودية تقف على خشبة المسرح، ولم تقل بغرور إن أعمالها ترجمت إلى اللغات الإيطالية والإنجليزية والنرويجية، لكنها تحدثت عن صعوبات واجهتها، وعزيمة وإصرار رافقاها، وهذا ما ينبغي أن يتحلى به روادنا، لا أن نرى من يتحدث عن ذاته وعبقريته وهو لا يعرف متى يكون «ذهب» فعلا ماضيا ومتى يكون معدنا.