فايع آل مشيرة عسيري

صعاليك السوشال ميديا

السبت - 27 يناير 2018

Sat - 27 Jan 2018

سبق أن كتبت مقالا هنا بعنوان «مشاهير الخواء الفكري» الذي أوضحت وحذرت من خلاله من مغبة مشاهير«السوشال ميديا»، وكما توقعت بأنهم موجة قطيع تسابقوا على اقتحام وسائل التواصل دون فهم لخطورة ما أقدموا عليه، وأن المجتمع سيفيق من هذه الخدعة التي أوجدها «صعاليك السوشال ميديا» الذين لا هدف واضحا لهم ولا رسالة تربوية ينشدونها سوى البحث عن الشهرة التواصلية بأي طريقة كانت، ومن ثم السعي من خلال هذا الشهرة الكاذبة لكسب المزيد من الأرباح المادية وإن كان على حساب مجتمع بأكمله.

هذه الشهرة الواهية سرعان ما تسقط أقنعتها في بحر السطحية ومتلازمة الفراغ والتسميج، وتتلاشى في ظل تهريج وتقليد لهجات أخرى دخيلة علينا، والتنطع والتنطط والتفخيم والتضخيم للكلمات والعيش في جلباب المهايطية الفاسدة على منوال «المحزم المليان، والله إني ما دريت، وش حالك، وطالبك، وأما عاد ودخول فخم، يا مالا السلامة»، وألقاب متخلفة وشعارات مزيفة مكلومة بالوجع، وسيل طويل من ألفاظ وتقليعات أحدثتها ثقافة القبائل الرجعية وشلة المدقال والقزوعي، والعصبة البائسة، وسوقية العادات والتقاليد المفتعلة» ناهيك عن الظهور بأكثر من «استايل» وممارسة مراهقية مفلوتة تعاني من عطوب لغوية أسلوبية وتجرد فاضح قبيح من اللهجة الأصيلة تحت بند استهبال وسذاجة وسقوط أخلاقي» وتسفيه للقيم وطرح سافر سافل وتدن في المستوى الفكري والتعليمي!

هكذا تنتهي مرحلة لتبدأ مرحلة أخرى أكثر سخفا وقبحا ويقف السؤال حائرا: من سمح لهؤلاء المرتزقة بالظهور والسطوع رغم رداءة ما يطرحون ويصدرون؟ لتأتي الإجابة مع الأسف هم شبابنا وفتياتنا!

إن متابعة هؤلاء الحمقى هي من تسمح لهم بالانتشار والتوسع على نطاق أكبر من خلال فتح حسابات عديدة عبر شبكة التواصل الاجتماعي والقنوات اليوتيوبية والقنوات الفضائية على منوال «شباب البومب»، و«طيور الجنة» و«قناة بداية»، وزادها ظهورهم في المهرجانات الشتوية والصيفية على أنهم مشاهير ولم يعلموا بأنهم مشاهير سمك لبن تمر هندي، مشاهير الغفلة الذين لا يقيمون للحياة وزنا ولا يمايزون بين الحقيقة والخيال!

أقف اليوم على نسبة وعي مجتمعي كبيرة من شبابنا وفتياتنا بعدما تكشفت أمامهم كامل الحقيقة، وبدؤوا في كشف أولئك الصعاليك - الذين امتطوا ركب التقنية للوصول لأطماعهم البعيدة عن القيم والمثل والمبادئ – ضاربين بالمجتمع عرض الحائط، مفكرين بأنفسهم فقط! تلك الحقيقة التي عرتهم تماما أمام المجتمع ليعودوا إلى مكانهم الطبيعي الذي يليق بهم فلا يمكن لأحمق أن يقود فكرا أو ثقافة، أو أن يقدم رسالة تربوية هادفة!

وما حملة # تبليك _ المشاهير؛ إلا ردة فعل طبيعية وصلت معها الهاشتاقات للترند، وهذا يقودنا إلى بعد آخر فيه صوت العقل والفكر يعلو فوق أصوات الابتذال والإسفاف والنشاز!

مشاهير الخواء الفكري يعيشون حالة اختناق بعدما باتوا في مأزق الحقيقة والمكاشفة التي أعادتهم من حيث أتوا وإن حاول تجار الغفلة الفاشلون تمرير قصص تجارتهم الخادعة وتسويق بضاعتهم الرديئة والترويج لها عن طريق أولئك الصعاليك المرتزقة على إيقاعات شيلات الغث والغثاء على منوال: تقول الله يطعني، وزلزلة، دق خشوم، يا مطوع لا تروع، خذوني على بيشة، وانتهازية استغلالية تعاني من انفصام حاد في الشخصية.

ومضة: في الوقت الذي بدأت فيه فرنسا تطبيق قانون أمني وطني يمنع التجار من التسويق لبضاعتهم من صعاليك السوشال ميديا وممارستها غير الشرعية، هل نرى قانونا تجاريا قادما يحارب هؤلاء الصعاليك المرتزقة؟ قانونا رادعا يحمي اقتصادنا وبلدنا ومجتمعنا من قرصنة السوشال ميديا وصعلكتها التافهة والثراء السخيف بغير وجه حق في قضية معنية بالوطن، والمجتمع بالدرجة الأولى.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال