من خطب الجمعة

الجمعة - 26 يناير 2018

Fri - 26 Jan 2018

الاستخفاف مصيبة

«إن عقل المرء وحكمته كفيلان بجعله في مقام سليم معتدل يميز به بين ما يزين وما يشين وما يجب تقديمه وتأخيره وما لا ينبغي أن يعطى أكبر من حجمه وما لا ينبغي أن يهون دون مقامه، وجماع ذلكم كله في أن ينزل الأمور منازلها، ويعطي كل ذي حق حقه، فإنه إن لم يفعل ذلكم فهو إما بليد الإحساس وإما ذو استخفاف بالأمور.

كل السببين من السوء بمكان، غير أن الاستخفاف بالأمور هو أنكر المنكرين، وإن كان الاستخفاف عن جهل فهو مصيبة، وإن كان عن علم فالمصيبة أعظم، وإن ما يعنينا هو الاستخفاف الذي وقع عن علم لأنه وبال لصاحبه من جهتين، أولهما علمه بأنه مستخف، وآخرهما تعمد إيقاع استخفافه بالشيء، وأن المستخف لا يعرف قدر المسؤولية وهو أبعد الناس عن حقوق الآخرين، وأنه لم يأت الاستخفاف في مقام مدح قط، فهو سجية بغيضة يقبح من تدثر بها.

وما استخف بالناس أحد عرف حق الله وحق الناس عليه، لأن من استخف بك فقد خانك الإنصاف فاستخفاف المرء بالشيء استخفاف بصاحب الشيء نفسه، وإن أخطر ما يكون الاستخفاف حينما يتجاوز حدود الممارسة الفردية ليصبح ثقافة يتبارز بها المستخفون وسبقا مزريا للمتهورين به أيهم يبلغ من الاستخفاف ذروته. الاستخفاف شعور ينقص في صورة كمال زائف فيداري سوءة نقصه بالاستخفاف بغيره ليوهم نفسه والآخرين بكمال مزور وتفوق على من سواه، ومثل هذا لا يقع منه الاستخفاف بغيره إلا إذا استحكمت فيه خفة العقل والمنطق.

ثمة استخفاف يقع فيه كثير من الناس إلا من رحم الله، ألا و هو استخفافهم بالذنوب والمعاصي، والتهوين من شأنها واستسهال ارتكابها باحتكار عظمها وخطورتها وتسويغ ذلك بعفو الله والتغافل عن أليم عقابه وشديد عذابه. المرء الواعي لا يستخف بصغيرة، لعلمه أن الجبال من الحصى وأن السيل باجتماع النقط، وأن المؤمن الصادق ليستحضر عظم الذنب وأثر المعاصي في نقص إيمانه وتعرضه لسخط الله وغضبه، والموفق من لم يستسهل ذنبا مهما صغر».

سعود الشريم - المسجد الحرام

الاشتغال بالعلم

«إن الله سبحانه وتعالى اختار الإنسان ليستخلفه في الأرض، فوهبه العمل مناط العمل والتشريف ومنحه العقل مناط الخطاب والتكليف وفضل سبحانه الإنسان على الكثير مما خلق بنعمة العلم والعقل ورتب على ذلك التكليف والعمل، فالعلم هو حجر الأساس وهو الوسيلة التي يتعرف بها الإنسان على دينه وهو الوسيلة التي يستطيع بها الإنسان أن يعرف طاعة ربه، وأول أمر جاء به جبريل عليه السلام من عند الله عز وجل إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو الأمر بالتعلم، وأول أية نزلت من القرآن الكريم ( اقرأ) .

إن القرآن الكريم حث على التعلم، والله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأل الزيادة إلا في العلم (وقل رب زدني علما) ولأهمية العلم فإن الله تعالى أشاد بمنزلة العلماء وقرنهم عز وجل بنفسه وملائكته في الشهادة بوحدانيته قال تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم).

العلم أنجع وسائل التربية وأرسخ يقينا في التزكية وأكثر أمانا من الفتنة وأشد ثباتا في المحنة ويعطى الصبر عند المصيبة ويقود إلى أفضل الحسنات وأعظم القربات وأعلى الدرجات.

من يرد الله عز وجل به خيرا يفقهه في الدين، فالعلماء ورثة الأنبياء، والاشتغال في العلم من الباقيات الصالحات، والصدقة الجارية بعد الممات والثواب المستمر بعد الوفاة، مستشهدا بقول النبي صلى الله عليه وسلم :إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.

طالب العلم يحتاج إلى الآداب الشرعية في طلبه للعلم حتى يكون قدوة ومثالا حسنا وأهلا لتحمل الرسالة، كما أن العلوم النافعة كلها مشروعة سواء أكان مصدرها القرآن الكريم والسنة كعلوم الدين من العقيدة والتفسير وغيرها، أم كان مصدرها من التجربة والنظر في الكون والحياة كعلوم الطب والهندسة وغيرها».

عبدالله البعيجان - المسجد النبوي