أحمد صالح حلبي

ما قالته الليدي إفلن عن المطوفين

الاثنين - 22 يناير 2018

Mon - 22 Jan 2018

في كتابها «إسلام نبيلة إنجليزية وحجها إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة»، ترجمة وتحقيق عمر أبوالنصر، المكتبة الأهلية، بيروت، (1353هـ - 1934م)، تصور الليدي إفلن كوبولد (Lady Evelyn Cobbold) رحلتها لحج بيت الله الحرام، ناقلة كأول امرأة إنجليزية صورا واضحة عن الحج ورحلته.

والليدي إفلن التي عرفت بعد إسلامها بـ«زينب»، ولدت في مدينة أدنبرة الأسكتلندية عام 1871، من أسرة أرستقراطية، وهي كبرى بنات حاكم دنمور (Earl of Danmore)، تزوجت من شريف سفلوك (High Sheriff of Sufflok)، ودام زواجهما حتى وفاته بعد ثمانية وثلاثين عاما، وقررت في عام 1933، وهي في السادسة والستين من عمرها، القيام برحلة الحج إلى بيت الله الحرام، فالتقت بسفير الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الشيخ حافظ وهبة - رحمه الله -، وطلبت منه أن يستأذن لها جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - بالقدوم إلى أرض المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج، فصدرت موافقة الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ على طلبها، وغادرت إلى القاهرة لتبدأ رحلتها إلى جدة، وكان على متن السفينة التي أقلتها إلى جدة باشا مكناس وحاشيته المكونة من 70 فردا، والسير أندرو ريان العائد إلى منصبه وزيرا مفوضا في القنصلية البريطانية في جدة.

وحينما رست السفينة بميناء جدة يوم 26/‏2/‏1933، وشاهدت الليدي إفلن علم المملكة العربية السعودية شعرت بالراحة والأمان، وصورت ذلك بقولها «إنه نقشت على رايته كلمة: لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وقالت: شعرت حينها أني في البلاد العربية حقا، وأنني تحت راية ابن سعود.

وتناولت إفلن حديثها «عن الجبال التي تحف بجدة، وعن أصوات المحرمين من حولها، المهللة والمسبحة والمكبرة، وعن ظهور الابتهاج على وجوه الحجاج لوصولهم إلى أطهر بقعة وأقدس مقام».

ثم تحدثت عن ميناء جدة قائلة: أما ميناء جدة فإنه عجيبة من عجائب الزمان، وليس هناك مياه بحر تشابه مياهه في البهاء واللمعان، ولكنه إلى ذلك كله كثير الصخور، كثير الجبال البحرية، بحيث كان ربابنة السفن التي ترسو في هذا الميناء لا يتقدمون من المرفأ إلا بمقدار.

وبعد وصولها إلى مكة المكرمة حرصت على التجول بأحيائها وطرقها، فتعرفت على كثير من عادات المكيين وتقاليدهم، وتعرفت على مهام المطوفين وأعمالهم، وأعجبت بأعمالهم ومواقفهم، وتحدثت عن قدرات المطوفين وتمكنهم من اللغات المختلفة للتحدث مع الحجاج القادمين من مختلف بقاع الدنيا، ومشاهدتها لبعض المطوفين وهم يساعدون حجاجا تقطعت بهم السبل، وانتهى ما لديهم من مال فقام المطوفون بمساعدتهم ودفعوا لهم نفقات عودتهم إلى بلادهم.

وتستطرد إفلن كوبولد قائلة:

إن الزمن لن يمحو من ذهني وذاكرتي المشاهد التي رأيتها في مكة والمدينة، وما وقعت عليه من قوة الإيمان، وجمال الإخلاص، وحب الخير للناس والأعداء على السواء، وهي أمور كنت أحس بها وأنا في البلاد المقدسة، ثم ما توفر لي من شرف زيارة قبر الرسول، ومسجده الشريف، وحرم الله المكرم، وكعبته الطاهرة، وقيامي بكل واجبات الحج، مما كان يجعل كله في قلبي اطمئنانا لم أكن أحسه قبل اليوم أبدا.

وإن كانت إفلن قد تحدثت عن المطوفين قبل نحو ثمانين عاما مضت، وأبرزت أدوارهم وتناولت مواقفهم الإنسانية، فهي رسالة لأبناء الجيل الحالي من المطوفين للاقتداء بما تركه آباؤهم وأجدادهم من انطباعات حسنة، تحفظها الذاكرة وتتناقلها الأجيال.

ورحم الله الليدي إفلن النبيلة الأسكتلندية المسلمة الحاجة زينب، التي توفيت عام 1963 عن عمر ناهز الخامسة والتسعين، وجزاها الله خيرا على ما تركت من عمل توثيقي يحكي رحلة الحج وصعوبته قبل عقود ثمانية.

[email protected]