عبدالله العولقي

السياحة في بلادي

السبت - 20 يناير 2018

Sat - 20 Jan 2018

لن أتحدث عن السياحة الدينية في مكة والمدينة أو السياحة الحضارية في المدن الحديثة للمملكة، ولكني سأتحدث عن المناطق الأثرية أسوة بالمفهوم السياحي لدى السياح الأجانب الذين ارتبطوا بمنطقة الشرق الأوسط، وهي مهد حضارات العالم، وقد نالت الدول المحيطة بنا كمصر والعراق والشام واليمن نصيبها خلال القرن المنصرم من الاهتمام الدولي بالمناطق الأثرية وتاريخها الممتد مع التاريخ الإنساني الطويل، ولأننا جزء من هذه المنطقة الحيوية فلدينا أوفر الحظ والنصيب باعتبار المملكة تمتلك رقعة جغرافية قارية غنية بالمخزون الأثري.

قبل أيام قليلة أعلنت هيئة السياحة والتراث الوطني عن إصدار تأشيرات سياحية بغرض جذب السياح الأجانب للمناطق الأثرية في المملكة، والتي تعد من الكنوز المهمة بالنسبة للتاريخ الإنساني، ولذا فالسياحة في المملكة ستشهد في المستقبل القريب انطلاقة عظيمة ومؤثرة في الاقتصاد الوطني باعتبار أن هذا القطاع حيوي، ويشكل رافدا مهما للموارد الجديدة للدولة وفق الرؤية الوطنية 2030.

وفي هذا المقال، سنستعرض خمسة مواقع تاريخية أثرية متنوعة بين مناطق المملكة من أصل مئات المواقع المهمة الأخرى، ولكن من وجهة نظري أن هذه المواقع هي الأبرز من خلال أهميتها وارتباطها بالتاريخ الإنساني ككل، والتي ستشكل الجذب الأول للسياح الأجانب.

ننطلق من جنوب المملكة، وتحديدا من منطقة نجران التي تحتوي على مدينة الأخدود، هذه المدينة التاريخية التي تأتي أهميتها للسياح الأجانب من خلال ارتباطها بالأديان السماوية الثلاثة، وقد عرفت الأخدود سابقا بمسمى (رقمات) وتاريخيا تعود إلى العصر الحميري، وتقع هذه القرية التاريخية على ضفاف وادي نجران الشهير، وتكتسب الأخدود شهرتها من الواقعة التاريخية المعروفة التي سطرها القرآن الكريم كأشهر محرقة في التاريخ أوقعها الملك ذو نواس الحميري اليهودي بحق مسيحيي المنطقة.

ومن جنوب المملكة إلى شمالها، إلى موقع آخر سطره القرآن أيضا وفي مواقع متعددة وهي مدائن صالح التي تقع في محافظة العلا التابعة لمنطقة المدينة المنورة وتعرف تاريخيا بـ (الحجر) وهو اسم ديار قوم ثمود بوادي القرى بين المدينة المنورة وتبوك، وتكتسب مدائن صالح أهميتها التاريخية بالمنازل العظيمة المنحوتة في الجبال، وبصورة تستدعي الدهشة والإعجاب لهذا الصنع البشري العظيم الذي يدل على مدى الحذاقة البنائية والقدرة والذكاء لدى العربي القديم، كما تعد المدائن من أهم حواضر مملكة الأنباط العربية القديمة بعد عاصمتها البتراء.

وبعدها ننتقل إلى وسط المملكة وتحديدا إلى قرية الفاو، عاصمة مملكة كندة العظيمة قبل انتقال مملكتهم إلى منطقة نجد، وقد عرفت الفاو في العصور القديمة بمسمى (ذات كهل) نسبة لأحد الأصنام المعروفة لدى الكنديين، والذي يعد كبير الآلهة لدى قبيلتي مذحج وكندة في جنوب الجزيرة، وهي منطقة تاريخية مهمة ربطت جنوب الجزيرة بشمالها وشهدت حضارة إنسانية عظيمة وفيها عجائب من الآثار والنقوش والكتابات التي تتحدث عن حقبة تاريخية مهمة للإنسان العربي.

ثم ننتقل إلى شرق الجزيرة العربية، وتحديدا إلى جزيرة (تاروت) التي تعد أكبر جزر الخليج العربي بعد مملكة البحرين، وترجع تسمية الجزيرة إلى مسمى تاريخي قديم (عشتاروت) وتعني لدى البابليين والكنعانيين القدماء آلهة الحب والجمال، وكانت تاروت قديما أهم مراكز مملكة دلمون المعروفة، وقد اكتسبت أهميتها التاريخية من عمقها الزمني الطويل فهي تعد من أقدم البقاع التي وطئها الإنسان القديم، وتتربع تاروت على إرث تاريخي مهم يمتد لخمسة آلاف سنة، كما تحوي أرضها كنوزا أثرية من الأدوات القديمة التي استعملها الإنسان الأول وفيها من النقوش والرسوم والآثار، مما يعتبره المؤرخون كنوزا لا تقدر بثمن.

وأخيرا، ننتقل إلى الموقع التاريخي الأخير الذي يختلف عن سابقيه بقرب زمنه واقترانه بحضارتنا الحديثة، وهي منطقة الدرعية التاريخية التي تعتبر المهد التاريخي للأسرة الحاكمة في المملكة، ومنها انطلقت فكرة التوحيد والتأسيس لهذا الكيان العظيم على يد مؤسس الدولة السعودية الأولى الأمام محمد بن سعود، رحمه الله، وقد عنيت باهتمام المؤرخين والكتاب لارتباطها بتاريخ المملكة الحديث، وقد صنفتها منظمة اليونسكو عام 2010 من ضمن المواقع التاريخية في العالم.