خضر عطاف المعيدي

اللغة بين طفل عربي وبالغ إنجليزي

السبت - 20 يناير 2018

Sat - 20 Jan 2018

اختلاف الألسن دليل على عظمة من أنطق اللسان سبحانه وتعالى، واللغة مرآة للثقافة وهي المحور المنطوق من تفكير الإنسان كما ذكر أبو علم اللغة الاجتماعي لاكوف.

وقد قيل (قارن تستوعب) فعندما تقارن لغات العالم يظهر للقارئ الأساليب والمستويات اللغوية التي تتميز بها كل لغة، بداية من المستوى الصوتي المجرد، منتقلا للبناء الصوتي الوظيفي في اتجاه البناء الصرفي، ومن ثم البناء النحوي، منتهيا بالأسلوب الدلالي والبلاغي لإيصال المعنى المقصود.

والحديث عن اللغات أمر شاق سبره، فهو ليس حديثا مجردا بل هو الغوص في عمق التفكير الإنساني وباب Comparative Linguistics - علم اللغة المقارن - إنما قعد ليتم التعرف على التشابه والاختلاف ما بين اللغات وليس من باب رفع لغة وخفض أخرى بل لإرساء الفهم.

فإذا كانت أغلب لغات العالم - على سبيل المثال - تصدر الأصوات فيها عن طريق ديناميكية الزفير، فإن لغات مثل الزولو وغيرها تصدر الأصوات فيها عن طريق ديناميكية الشهيق، وهذه سمة مميزة لهذه اللغات وليست مثلبة.

عموما لعل المقارنة اليوم ستكون بين اللغة العربية وبين الإنجليزية التي يفتخر كثير من الناس بتحدثها، ووجه المقارنة هنا سيكون من باب الهجاء (spelling) من خلال البناء الصوتي.

من المتعارف عليه بأنك لو تقابلت مع أي إنجليزي وذكرت له حتى أبسط الأسماء مثل (عمر) فإن ذلك الأمر يتطلب منك أن تفصل له الحروف تفصيلا (ع م ر) حتى يتسنى له كتابتها، وهذا ليس فقط للأسماء العربية بل حتى الأسماء الأجنبية لنفس سكان البلد الإنجليز، لكن لا نجد أي صعوبة في لغتنا العربية في كتابة أسماء ليس لها أي وجود على سطح الكرة الأرضية، مثلا لو قال لك شخص اسمي (شحلبوطس) فإنك سوف تكتبه ولو لم تكمل تعليمك الابتدائي.

بل إن مما يثير الدهشة والافتخار في الوقت نفسه أننا في اللغة العربية لو عرضنا على طفل في المرحلة الابتدائية مثلا معلقة عنترة بن شداد العبسي، أو إحدى خمريات المنخل اليشكري، وهي من القصائد التي قيلت في العصر الجاهلي، أي قبل بعثة - المصطفى صلى الله عليه وسلم - وطلبنا من هذا الطفل أن يكتب ما يسمع من القصيدة فلن يجد صعوبة في ذلك، لكن في المقابل لو أتينا ببالغ إنجليزي الأصل ومختص في الأدب الإنجليزي أو في اللسانيات (اللغويات) وأملينا عليه قصيدة من قصائد الشاعر الإنجليزي تشوسر، المولود في القرن الـ14، فلن يستطع كتابتها إلا بوجود قاموس يخدمه في مراجعة بعض المفردات وهذا لوجود ما يسمى Phoneme –grapheme in-correspondence وهو التنافر الصوتي الكتابي، وذلك لأن أغلب الأصوات الإنجليزية لا تمثلها الحروف والعكس صحيح.

يوجد في اللغة الإنجليزية 26 حرفا، لكن يوجد بها 44 صوتا إذا لم نلتفت لبعض الأصوات في اللهجات الأسترالية والأيرلندية، فصوت مثل a في كلمات مثل ll ab وgueacolle قد تنوع في النطق بحسب موقعه ولم يعد الحرف a، هذا مثال بسيط لمدى الاختلاف الصوتي، بل إن الأمر يزداد تعقيدا مثلا في حرف i في بداية المقطع الصوتي لكلمة gerie lin فهنا ليس للحرف أي وظيفة بل ينطق a، ولو أخذنا كذلك حرفي gh في كلمات مثل light وsight وbrought سنجد بأن لا وظيفة للحرفين هنا نهائيا. لكن لا يجد المتحدث والكاتب باللغة العربية أدنى تعقيد في قراءة أغلب النصوص العربية أو كتابتها بمجرد سماعها مع وجود بعض الأمور التي تخص اللام الشمسية والقمرية.

لعل هذا الطرح يؤطر في أذهان الكثير بأن اللغة ليست مجرد كلام وإنما هي قوانين وسمات يشيب لها الرأس، وهذا يستدعي من المجتمع أن يلتفت إلى من يلقن أبناءهم اللغات في المدارس، وكيف يتم صنع هذا المعلم ليصنع جيلا واعيا بمفهوم اللغة.

من الضروري إعادة طرح موضوع تدريس اللغة من خلال إخضاع المعلمين لبرامج مكثفة في علم اللسانيات حتى يسهل لديهم تفهم بأن أي صعوبة تواجه المتعلم في اللغة قد تكون وليدة تفكير من خلال أنظمة اللغة الأم، وليست جراء صعوبة اللغة الأجنبية «وبضدها تتميز الأشياء» ومن الضروري أيضا إعادة تشكيل برامج مرحلة البكالوريوس في جامعاتنا حتى تتكيف مع سوق العمل خصوصا فيما يختص بالتعليم، وذلك بطرح المواد التي تتوافق مع توجه الخريج، فليس كل من تخصص في اللغات مهيأ فطريا لتدريسها.