نحو سمو الفرد ونهضة المجتمع

الخميس - 18 يناير 2018

Thu - 18 Jan 2018

تمثل الكمال البشري والسمو الإنساني بأبهى صورة في سيد الخلق وحبيب الحق المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعلى الرغم من المكانة الأسمى للنبي صلى الله عليه وسلم من ناحية الإيمان والعمل والتوكل و....، فقد أجمل المولى عز وجل وصف النبي صلى الله عليه وسلم وأبرز تفرده بين الخلق بأخلاقه: {وإنك لعلىٰ خلق عظيم}، لقد اتصف عليه الصلاة والسلام بآداب المعجزة الخالدة، القرآن الكريم، روي عن أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها «كان خلقه القرآن»، وهو الموصوف عليه الصلاة والسلام من قبل البعثة بالصادق الأمين.

وكما أن الفرد يسمو ويتميز بالأخلاق، فإن الأخلاق كذلك هي سلم الرقي المجتمعي، ورد عنه صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). وقد وصف الله عز وجل خير الأمم {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}. ونصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في هذا الباب كثيرة جدا وتبرز مستويات رفعة أخلاقية متعددة، ومن ذلك: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}، {شهد الله أنه لا إلٰه إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط}، {يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا}، (من لا يشكر الناس لا يشكر الله)، (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

تنتظم تعاليم الإسلام السامية والهدي النبوي الراقي في نظام أخلاقي متكامل، ورد في حديث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه للنجاشي واصفا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم «قد أمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم وحقن الدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات ...إلخ».

إذا فإن ارتباط السمو (الفردي والمجتمعي) بالأخلاق هي سنة حياتية ثابتة:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

صلاح أمرك للأخلاق مرجعه

فقوم النفس بالأخلاق تستقم

إذا أصيب القوم في أخلاقهم

فأقم عليهم مأتما وعويلا.

وكما أن الأخلاق تكسب المؤمن السمو الدنيوي، كذلك فإنها تمنحه الفوز والرفعة الأخروية في أعلى درجاتها، عن صاحب الخلق الأسمى صلى الله عليه وسلم (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء، وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب، وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)، في هذا الحديث الشريف تحفيز نحو الأخلاق السامية حيث يوضح التناسب الطردي بين سمو الأخلاق وعلو المكانة في الجنة بداية من سمة أخلاقية عالية تتمثل في ترك الجدال، وصولا إلى أعلى مكانة في الجنة تنال لمن وصل من الكمال البشري إلى حسن الخلق.

في عصرنا الحديث، تبرز الإشادة بأخلاقيات المهنة لدى المجتمعات الغربية ويشمل ذلك الإتقان، الشفافية، الالتزام، الدقة، ... إلخ، وهي بلا شك قيم هامة أسهمت في نهضة المجتمعات المتقدمة، إلا أن هذه القيم متجذرة في تعاليم ديننا الحنيف الذي هو المنهج الأمثل للحياة. ويجدر بنا وضع ذلك ركيزة أساسية في تعاملاتنا وممارساتنا سواء على المستوى الأسري أو المهني ليتحقق سمو الفرد (الدنيوي والأخروي) ونهضة المجتمع.