خضر عطاف المعيدي

نحو قراءة تطبيقية للنص

الأربعاء - 17 يناير 2018

Wed - 17 Jan 2018

إن صناعة النص المقروء ليست بالأمر السهل، سواء كان قطعة أدبية ذاخرة المعاني، أم مقالا نقديا أو غير ذلك، ويسلتزم صناعة النص جهدا فكريا من الكاتب وشحذا للدماغ من أجل الخروج بنص له طابع الانسياب مع توجهات القارئ. والنص بدون وجود القارئ المتذوق يعتبر هباء كما ذكر الكاتب «رولاند بارثيس» صاحب المقال المشهور «The Death of the Author» (موت المؤلف) إذ إن من يصنع حيوية النص هو القارئ، وهو نفس القارئ من يتخاطب مع النص وبدونه لا وجود للنص أصلا. بل وما تشير إليه نظريات القراءة الحديثة إلى أن المعنى لا يقبع في النص المكتوب، وإنما يكمن في التفاعل الصحيح ما بين النص والقارئ، ولا يكون التفاعل إلا إذا أثار النص حفيظة القارئ، وهذه الثمرة المراد قطفها من قبل الكاتب.

لكن الأمر لا يقف عند التفاعل ما بين النص والقارئ، بل في توظيف المقروء إلى حراك مشاهد وليس فقط إلى تثقيف فقط. المتأمل للصحف الورقية منها والالكترونية، يجدها تعج بكل ما لذ وطاب من النصوص المكتوبة والمقالات، ودور النشر مليئة بأحدث الكتب، وأرفف المكتبات تزخر بفيض غير مسبوق من العناوين المثيرة، لكن الواقع هو الواقع بالرغم من الزخم الهائل بالمعرفة، والسبب يعود وبلا مراء إلى أن أغلب القراء العرب تنقصهم آلية القراءة الصحيحة، لأن التفاعل المباشر ما بين النص والقارئ يتم من خلال ما يسمى (تهيئة الذات)، ومن ثم تبدأ المرحلة الأهم «Intertwined knowledge» أو ما يسمى (التداخل المعرفي) وهو ربط المعارف الحديثة بالمعارف السابقة وفق آلية تسمى «Interrelatedness» وهذه غالبا ما تكون المرحلة التي يقف عندها أغلب الناس، فبها يبدأ الحكم على النص من خلال خلفياته السابقة، وبها يبدأ في الترنح حول جودة النص من عدمه، وبها يتم إصدار الأحكام على الكاتب أو الصحيفة، وهي المرحلة التي أضعفت الأمم العربية عن اللحاق بالغرب وجعلها تتقهقر لسنين. لأن المرحلة الحقيقية للتفاعل مع النص هي التي تلي تلك المراحل وتكمن فيما يسمى «implementation» وهي فرض النص على الواقع المعاصر، فبها يصف النص حالك كقارئ لتشرع في تغيير حالك وفق معطيات النص، هل قدم النص حلولا مجتمعية تستلزم من القارئ تفعيلها تفعيلا سليما من أجل رقي المجتمع.

لقد عاش النص في مجتمعاتنا لسنوات ما بين كاتب يطير فرحا لأن نصه تم نشره ووجد له رواجا ما بين الناس، وهو بعيد كل البعد من أن يفعل نصف ما يكتب في حياته، وما بين قارئ اتخذ النص كأداة للتسلية وتمضية الوقت ليس إلا، فأصبحنا مجتمعا منقسما إلى فئتين: فئة تدعي الثقافة فتشرع للناس وفق المثل العليا وليس وفق الواقع، وفئة تتلقى الثقافة كما تتلقى الوجبات السريعة مجرد تذوق لأول لقمة ومن ثم مجرد ابتلاع لا أكثر. من أجمل ما قرأت كان للكاتبة «جيرترود ستين» والتي عرف عنها لغتها البسيطة في الحديث واللغة الرفيعة في الكتابة، خصوصا فيما يخص الشعر والأدب، سألها أحدهم يوما في عام 1971: لماذا لا تكتبين مثل ما تتحدثين؟

فأجابت: لماذا لا تقرأ بمثل المستوى الذي أكتب به؟

لعل مجتمعنا يعي يوما بأن أمر القراءة والتعامل مع النص المكتوب ليس مجرد ثقافة مجردة، بل هو تفاعل حقيقي ينعكس على سلوكنا وحياتنا، ولعل كتابنا أيضا يعون بأن ما يكتبونه ليس شهادة تميز لهم في الكتابة حينما تنشره صحيفة ما، بل لا بد للكاتب من الوقوف مع نفسه ليسأل: هل أنا ما يظن بي المجتمع؟ هل أكتب عن الكرم وأنا بخيل، وأكتب عن النظام وأنا متربع على ظهر الواسطة، وهل أكتب عن التقوى وأنا فاجر..