حسن علي العمري

وسائل التقنية بين التوثيق والتجريم

الثلاثاء - 16 يناير 2018

Tue - 16 Jan 2018

يشهد العالم اليوم تطورا مذهلا ومتسارعا في مجال التقنية، سواء كان ذلك في مجال الاتصالات المسموعة أو المرئية، أو في مجال التوثيق بمختلف أنواعه الثابتة والمتحركة، وتعد الهواتف النقالة المحتوية على تقنيات متطورة الاستخدام الأكثر انتشارا على مستوى العالم، كونها تحمل في ثناياها ملفات هائلة مليئة بالرسائل أو المقاطع الصوتية أو المرئية، وكل ما يمكن أن يتصل بالشبكات العالمية ويؤدي لانتشار ما يتم تناقله عبر هذه الوسائل بسرعة عالية جدا إلى كافة أصقاع المعمورة، عبر الاتصال اللاسلكي ووصوله في ذات اللحظة التي يبث فيها. وساعد التنوع في وسائل التوثيق التقني المتطور باضطراد على ظهور وقائع مستجدة لم تكن معروفة من قبل، مست الأنفس أو الأعراض أو الذوات والآداب العامة أو سكينة المجتمع وسلمه واقتصاده وكافة مناحيه.

وهو ما أوجب على الجهات التشريعية في الدول معالجة ما ينتج عن إساءة استخدام هذه التقنيات، وسرعة التدخل بتشريع القوانين الضابطة لأي استخدام سيئ بغض النظر عن المستخدم، وما إذا كان هو من صور أو أعد المقطع أو نشره، أو لم يصور بذاته لكنه قام باستخراج الصور من هذه الأجهزة دون علم أصحابها.

وتقف القوانين بالمرصاد لكل من يسيء استعمال وسائل التصوير أو الاتصالات أو التقنية، سواء عن طريق بث الألفاظ المبتذلة أو الخادشة للحياء، أو التحريض على الفسق والانحراف، أو كانت تحمل في طياتها مضامين تعبر عن تهديد للنفس أو المال أو الشرف أو العرض أو ما يخل بالنظام العام والقيم الدينية، إذ لم يكن بالإمكان التجريم والعقاب لمثل هذه الأفعال ما لم يكن هناك نص نظامي يجرمها، ويقنن العقوبة اللازمة لها استنادا إلى مبدأ الشرعية.

ولذا فقد أقر لدينا في المملكة العربية السعودية نظام مكافحة جرائم المعلوماتية ـ سنفصل الحديث عنه لاحقا ـ ليواكب هذه التطورات والقفزات، ويسد الفراغ التشريعي لمواجهة ما قد يظهر من سوء الاستخدام أو انحراف التوجهات والغايات لهذه التقنيات، ويقدر لها العقوبة الرادعة.

وللجريمة المعلوماتية أركان ثلاثة، أولها الوسيلة أو الأداة المستخدمة، وهي جهاز التصوير، سواء كان هاتفا أو غيره، وثانيها ركن مادي تتعدد صوره وتتنوع، فقد يكون التقاطا عاديا لصورة ثابتة، أو مقطع فيديو للغير بعلمه أو بدونه، أو باستخراج الصور المحفوظة بأجهزة التصوير دون إذن صاحبها، ومنها اصطناع الصور ودمجها لتكون محتوى يخل بالآداب العامة أو يسيء للآخرين، كما يحصل في الفوتوشوب، وثالثها النتيجة المتمثلة بنية الإساءة للغير أو التشهير بهم، ويتحقق ذلك بالنشر في أي من المواقع الالكترونية.

إلا أن التساؤل يثور عن مدى وجوب تحقق النتيجة للفعل حتى تعد جريمة يعاقب عليها القانون، أم إن مجرد التصوير والحفظ دون النشر يعدان جريمة؟ والواقع أن هذا مدار بحث واختلاف عما إذا كانت الجريمة تعد جريمة خطر أو ضرر، فإن عدت من جرائم الضرر فلا بد من ربطها بالنتيجة لتجريم الفعل، وإن كانت من جرائم الخطر فطالما توفر الركن المادي للجريمة فهو كاف لتجريم الفعل دون الحاجة لانتظار تحقق النتيجة منها.

وإن كانت النصوص الواردة في النظام المار ذكره لم تتطرق إلى مزيد تفصيل في ذلك.

• يقصد بمبدأ الشرعية أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ولا بد أن تكون النصوص المحددة للجريمة والعقوبة سابقة لوقوع الجريمة

• أجهزة الجوالات التي يمتلكها أفراد المجتمع على مختلف أعمارهم قد تتحول إلى خطر يهدد حريتهم ويعرضهم للمساءلة والعقوبة فيما لو أسيء استعمالها

• توثيق بعض الأفراد لوقائع يستخدمونها كدليل على سلامة موقفهم قد يتحول إلى دليل إدانة ضدهم عند نشرهم لمحتواها على مواقع التواصل الاجتماعي

• يجرم القانون أي صورة أو مقطع مخل بالآداب العامة ولو لم يكن ناشره هو من صوره أو استخرجه بنفسه، لكنه حصل عليه ثم أعاد نشره، فيعاقب بالعقوبة المقررة

[email protected]