التعدد الثقافي والعرقي نعمة أم نقمة؟

في مدرسة تعليم قيادة السيارات طلب مدرسنا المصري من كل طالب لغته العربية جيدة أن يشرح الدرس بلغته إلى زملائه من مواطنيه

في مدرسة تعليم قيادة السيارات طلب مدرسنا المصري من كل طالب لغته العربية جيدة أن يشرح الدرس بلغته إلى زملائه من مواطنيه

الأربعاء - 29 يناير 2014

Wed - 29 Jan 2014



في مدرسة تعليم قيادة السيارات طلب مدرسنا المصري من كل طالب لغته العربية جيدة أن يشرح الدرس بلغته إلى زملائه من مواطنيه



جاء الدور علي فقال: قم واشرح لهم «بالمالي» ضحكت وقلت: لا أعرف لغتهم ولا هم يعرفون لغتي! تعجب أستاذنا! فقلت: هناك ما يزيد عن عشرين لغة، لأعراق وقوميات مختلفة لا يجمعها سوى حدود خلّفها المستعمر عمرها بضع عشرات من السنين

ما يجهله هذا المدرس، وكثيرون غيره، أنه حين أعطت الدول المستعمرة الاستقلال لمستعمراتها السابقة في أفريقيا، لم تراع الاختلاف العرقي لشعوب القارة، فقسمت بعضها بين دول متعددة، وجمعت أخرى متباعدة الثقافات والأعراق في إطار حدود دولة واحدة، فنتج عن ذلك كثير من القلاقل والحروب، كما هو الحال في رواندا سابقا وأفريقيا الوسطى حالا وفي مالي منذ الاستقلال

في الحالة المالية، وهي التي سأتحدث عنها هنا، لم تشفع الحدود المشتركة لشمال أغلبه قمحي اللون وجنوب أسمر، في التعايش السلمي، إذ يطغى مفهوم اللون والعرق ثم القبيلة على مفهوم المواطنة والدولة الحديثة

فالشمال المالي ذو الغالبية العربية والطارقية والجنوب الأفريقي يفتقدان إلى القواسم المشتركة التي تمكنهما من التفاهم، إذ لا وجود لأي ملتقى لشعوب دولة يحتاج أغلبهم إلى مترجم لإتمام أبسط العمليات العادية من بيع وشراء حتى في القرى الصغيرة فضلا عن المدن الكبيرة! عدا الإسلام الذي يعتنق أهل الجنوب الطريقة التيجانية منه ويعتقد أهل الشمال طريقة الأشاعرة قديما التي خالطها المذهب السلفي حديثا، عدا ذلك ليس هناك قاسم يستطيع أن يجمع هذه الشعوب

هذا الاختلاف الثقافي العميق، والنظرة المغايرة للحياة من الناحية الوجدانية، واختلاف أنماط العيش بين الطوارق والعرب من جهة وبين مواطنيهم الأفارقة من جهة أخرى، كل ذلك أدى ليس فقط إلى عدم التعايش بل إلى التصادم، فالحروب التي شهدتها مالي ولا تزال منذ الاستقلال حتى اليوم لم تكن المطالب السياسية والاقتصادية سببها فحسب وإنما كان لجانب الهوية الثقافية والبعد العاطفي والنفسي الدور الأبرز في تأجيجها

وفاقم من سوء الوضع الإخفاق الذريع لمالي في إدارة تنوع الهوية لمواطنيها، على الرغم من كونها ديموقراطية ناشئة، ويوجد فيها برلمان ذو صلاحيات، لكن هناك أسباب كثيرة أدت إلى هذا الإخفاق، فبغض النظر عن سيطرة نخبة عرقية «البامبارا» على مؤسسات الدولة، لم تعتمد الحكومة المالية في يوم ما سياسات تنموية واحدة لشمالها وجنوبها، إذ يشعر سكان الشمال من الطوارق والعرب بالغبن، فهم محرومون من التنمية، مع أن المساعدات الدولية تتهاطل على مالي من أجل مناطقهم

أما على صعيد تعدد الهوية فيكفي أنه لا يعرف بوجودهم ــ مع أنهم يشغلون الرقعة الكبرى من مساحة دولتهم ــ إلا قلة من الدارسين المهتمين بالمنطقة

وفي مشهد يلخص الحالة الوجدانية وتجذر التنافر الثقافي يتحلق سكان قرى وبوادي منطقة تمبكتو حول الإذاعة الموريتانية مصخين السمع عَلَّها تعلن رؤية هلال رمضان أو شوال، بينما يقول أحدهم: غدا العيد في مالي! وكأن مالي كأي دولة من دول العالم الإسلامي لا تعني لهم شيئا

وهنا نتساءل: هل التعدد الثقافي والعرقي نعمة أم نقمة؟