عبدالله العولقي

الصراع السياسي في طهران

الاثنين - 15 يناير 2018

Mon - 15 Jan 2018

الأوضاع الحالية في إيران مضطربة ومحفوفة بالمخاطر، لا سيما أن قادة وصناع القرار السياسي في طهران لم يحسنوا إدارة البوصلة باتجاه الداخل بامتصاص الغضب الشعبي، ورعاية مصالح المتظاهرين وتلبية مطالبهم، بل أضافوا فشلا إلى فشلهم عندما حركوا ميليشيات الحرس الجمهوري لقمع المتظاهرين والزج بنشطائهم في غياهب السجون.

والمتأمل للوضع الحالي في إيران يدرك أن هذا نتاج طبيعي لما كانوا وما زالوا يقترفونه في بغداد ودمشق من دمار فها هو اليوم يكتوون بذات النيران التي أشعلوها في بيروت وصنعاء.

لا شك أن نظام الملالي في طهران محسوب على الأنظمة الشمولية المتهالكة والتي أثبتت قراءات التاريخ السياسي الحديث أن مصيرها إلى الفشل إذا أصرت على تشددها الذي يعجل بزوالها ونهايتها، والتعنت الملالي اليوم وإصراره العجيب على تصدير ثورته الفاشلة إلى العالم العربي حتما سيوديان به إلى الانهيار التام بعد أن بدأت علامات التآكل والتشقق تظهر على بنيان هيكلته الأساسية.

أهم علامات وسمات التآكل في البنية التحتية للبناء الملالي الحاكم هو الخلافات والصراعات داخل المؤسسة السياسية في طهران، فالمتشددون الأصوليون يسيطرون على دستور البلاد وتشريعاتها وهم الفئة الأقوى داخل هذه المؤسسة ويريدون تنفيذ أجندة المقبور الخميني بحذافيرها حتى ولو كانت تتعارض مع أبجديات الواقع، وتتركز فلسفة هذه الفئة بالتشدد داخل الإطار الجغرافي للبلاد والتوسع والهيمنة خارج ذلك الإطار، وهذه المؤسسة هي التي أوردت البلاد والعباد المهالك وورطت طهران في الوضع المأزوم اليوم.

بينما تتفاوت الفئات الأخرى في هيكل الحكم الإيراني ما بين الإصلاحيين الدينيين والعلمانيين الذين جمعتهم المصالح المشتركة، بينما هم يتسترون تحت غطاء الإصلاح السياسي للبلاد، ويملكون النظرة الواقعية للحال المعاصر إلا أنهم لا يختلفون عن المتشددين كثيرا بخصوص الأصول المتشددة، بالإضافة إلى فئة أخرى لا تؤمن إلا بقوة السلاح ويميلون إلى التعبئة العسكرية وهم الذين زجوا بالشباب الإيراني الفقراء تحت مسمى جيش (الباسيج) في حروب سوريا والعراق ولبنان مقابل بضعة من الدولارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وقد يعودون إلى أهاليهم مجرد خبر بقتلهم ومفارقتهم للحياة، كما لا ننسى الجيش الآخر الموازي للباسيج والمعروف بالحرس الجمهوري وهو عبارة عن ميليشيات معقدة ومتعددة تحظى بدعم قوي من شركات المقاولات التي يسيطر عليها.

كل هذه الفئات في الهيكل الحاكم في طهران تتصارع فيما بينها نظرا لعدم وجود آلية واضحة لتقسيم المهام والأجندة فيما بينهم، ولذا كان المرشد هو من يتدخل لفض النزاعات الكبرى فيما بينهم، إلا أن الباحثين في الشأن الإيراني اليوم يرون أن الانهيار السياسي في طهران سيكون بعد رحيل السيد خامنئي الذي سيكون آخر حلقات سلسلة الولي الفقيه بسبب انعدام وجود شخصية دينية قوية تستطيع أن تحل محل خامنئي وتحمل لقب مرشد الجمهورية الإيرانية، والأهم من ذلك أن تكون شخصية محل اتفاق العناصر السياسية في طهران، وكل المؤشرات تدل على انعدام تلك الشخصية على الواقع فضلا عن الوعي الجديد المتشكل في أذهنة الشباب الإيراني والذين أضحوا لا يؤمنون بخرافة الولي الفقيه.

من المؤشرات الدالة أيضا على قرب زوال نظام الملالي في طهران ادعاءاته الكاذبة بالديمقراطية النزيهة، فمنذ اندلاع الثورة الخمينية في العام 1979، وخلال الأربعين عاما المنصرمة أضحى الشعب الإيراني على وعي تام بهذه الأكذوبة الكبرى حيث إن الانتخابات الرسمية لا تفرز سوى نسخ مكررة من خيبات الأمل، لأن الكلمة الأولى هي لتهديدات الحرس الجمهوري ومغامراته الجنونية وعبثه اللامسؤول في مقدرات الشعب، كما أن الرؤساء الذين بلغوا سدة الحكم ما هم إلا موظفون أو حاملو أجندة المرشد، أما الشعب فلا حق له سوى التصويت على الأسماء التي تتنافس على أكل خيراته وأمواله.

وأخيرا، إذا نجح شباب الثورة الإيرانية في قلب نظام الحكم الملالي داخل إيران فإن ذلك سيكون أهم الأحداث السياسية في القرن الحادي والعشرين على الإطلاق، لما سيتبع ذلك من تغييرات جوهرية في الخارطة السياسية الإيرانية وتأثيراتها الإيجابية على المنطقة والعالم.