أحمد صالح حلبي

بها حرمٌ آمنٌ وفيها المشاعر

الخميس - 11 يناير 2018

Thu - 11 Jan 2018

الشوق لمكة المكرمة وبيت الله الحرام لا يعادله شوق ولا توازيه محبة، فمن استنشق هواءها، يظل ريحها معلقا به، لا يمكن نسيان جمالها، وكلما حل مساء معلنا انقضاء نهار يوم ودخول ليله، وبزوغ فجر وشروق شمس، توجهت الأبصار، ولهثت الألسن داعية، لبيك يا مكة الخير.

صور قد لا يراها البعض وهي مرتسمة على محيا الحجاج والمعتمرين القادمين من أقصى شمال الأرض وجنوبها، ومن شرقها البارد وغربها الدافئ، أحبوها لأنها مهبط الوحي ومنطلق خاتمة الرسالات ومنبع الإسلام، وبها قبلة المسلمين.

ووسط جموع من قدموا حجاجا وعمارا، أقول أحبوك يا مكة لأنك جعلت الجبار بأرضك ذليلا، والمتكبر خائفا، وسكبت دموع المشتاقين إليك يوم لامست أقدامهم ثرى ترابك الطاهر، فيا مكة الخير والحب كوني الحافظة لجسدي البالي بثراك.

قال عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني لأعلم أنك أحب البلاد إلي، وأنك أحب أرض الله إلى الله، ولولا أن المشركين أخرجوني منك ما خرجت)!

وقالت عائشة رضي الله عنها (لولا الهجرة لسكنت مكة، فإني لم أر السماء بمكان أقرب إلى الأرض منها بمكة، ولم يطمئن قلبي ببلد قط ما اطمأن بمكة، ولم أر القمر بمكان أحسن منه بمكة)!

كم أنت جميلة يا مكة، بوجود بيت الله الحرام على ترابك، وكم أنت جاذبة بجبالك: النور والثور والرحمة وغيرها، وكم أقول، وكم أروي، فالكلمات تعجر، واللسان يصمت لكني كلما غبت عنك أياما، تذكرت قول مضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي «والبعض قال عمرو بن مضاض»:

وقائلة والدمع سكب مبادر

وقد شرقت بالدمع منها المحاجر

كأن لم يكن بالحجون إلى الصفا

أنيس ولم يسمر بمكة سامر

ولم يتربع واسطا فجنوبه

إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر

فقلت لها والقلب مني كأنما

يلجلجه بين الجناحين طائر

ألم تنكحوا من خير شخص علمته

فأبناؤه منا ونحن الأصاهر

فإن تنثن الدنيا علينا بحالها

فإن لها حالا وفيها التشاجر

فأخرجنا منها المليك بقدرة

كذلك يا للناس تجري المقادر

أقول إذا نام الخلي ولم أنم

إذا العرش لا يبعد سهيل وعامر

وبدلت منها أوجها لا أحبها

قبائل منها حمير ويحابر

وصرنا أحاديثا وكنا بغبطة

بذلك عضتنا السنون الغوابر

فسحت دموع العين تبكي لبلدة

بها حرم آمنٌ وفيها المشاعر

وتبكي لبيت ليس يؤذي حمامه

يظل بها أمنا وفيه العصافر

وفيه وحوش لا تراب أنيسة

إذا خرجت منه فليست تغادر

وفي كل لحظة أغيب عنك أتذكر قصيدة (في هوى مكة المكرمة) للأستاذ الدكتور محمد رفعت زنجيز، فأتوقف أمام بعض أبياتها القائلة:

قلبي يذوب إليك من تحنانه

ويهيم شوقا في رباك ويخضع

فإذا ذكرت فأدمعي منهلة

والنفس من ذكراك دوما تولع

وإذا خلوت إليك كانت وجهتي

فالروح فيك أسيرة لا تشبع

وإذا وقفت مناجيا ومصليا

كانت بنفسي دعوة أتضرع

يا ليتني في حبها مستشهد

كم كنت من عشقي لها أتوجع

أنا إن حرمت إقامة في مهدها

يا ليت روحي في ثراها تنزع

أنا لا أبالي في هواها محنة

أواه.. لو أني فداها أصرع

[email protected]