ديمومة الترقي: ركائز نمو وازدهار المنشآت

الأربعاء - 10 يناير 2018

Wed - 10 Jan 2018

تبذل المؤسسات والمنشآت، على اختلاف مجالات أعمالها واختصاصاتها، جهودا حثيثة لتطوير أدائها وتحقيق معدلات إنجاز مميزة، إلا أنه من المهم أن تضمن آليات العمل والمنهجيات التي تتبناها المنشآت استمرارية التطوير بما يحافظ لها على موقع في المقدمة دوما. وعلى الرغم من أهمية الخطط الاستراتيجية التي تبذل المنشآت جهودا في بلورتها، إلا أنه من المهم توفر عدد من الركائز الأساسية التي تضمن للمنشأة، بإذن الله تعالى، المقدرة على مواجهة التحديات والتغيرات التي تستجد مستقبلا، كثيرا ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، لتمكين المنشأة من تحقيق النتائج المرجوة من برامج العمل المختلفة بما فيها تلك المنبثقة عن الخطط الاستراتيجية.

إذا كان وجود الخطط الاستراتيجية وبرامج العمل التنفيذية عالية الجودة لا يضمن بالضرورة استدامة التطور، ما هي إذن العوامل الأكثر أهمية لضمان تطور وارتقاء المنشأة بشكل مستمر ودائم؟

إن استقراء عدد من التجارب الإدارية يدل على أن تحقيق ديمومة الترقي للمنشأة يتطلب توفر كوادر بشرية قادرة ومؤهلة، وتواصلا فعالا داخل/خارج المنشأة، وعدالة من خلال نظام حوافز ومحاسبة عادل.

يجب على المنشآت، ابتداء، بذل كل جهد ممكن لاستقطاب أفضل الكفاءات الفردية في كافة التخصصات المطلوبة، ثم يجب الاستثمار المستمر في تطوير المهارات والمعارف (المهنية والتخصصية والشخصية والنفسية). تمثل الكوادر البشرية المتميزة مراكز قوة المنشأة، ويجب توثيق التواصل بين كافة الكوادر من خلال قنوات فعالة للتواصل لبث ونشر التميز في كامل منظومة العمل، ويعمل التحفيز العادل على استمرارية توجه المنشأة في اتجاه الصعود والترقي في الأداء، وفي نفس الوقت يضمن نظام المحاسبة العادل تفادي انحدار المنشأة في الاتجاه السلبي أو التراجع. تتميز بيئة العمل المحفزة، ليس فقط باستيعاب الاختلافات الفردية بين الكوادر، بل باستثمار تمايز أفرادها وكوادرها إلى أقصى حد. حيث إن كل فرد لديه ما يميزه وما يمكن أن يبدع فيه بشكل أفضل، إن الإدارة الناجحة فقط هي التي تستطيع توظيف إمكانات الأفراد وتوفير البيئة المحفزة لإبداع أفرادها. تكمن أهمية التواصل الفعال في تحقيق تجانس المنشأة وكلما زادت الشفافية وتبادل المعلومات والمعارف بين أفراد المنشأة، تحقق للمنشأة مقدار أكبر من العمل المؤسسي. وتمثل العدالة الوسيلة الأمثل لتثبيت روح الانتماء إلى المنشأة في جميع أفرادها، مما يثمر عنه توافق أهداف المنشأة والأهداف الفردية لمنسوبيها.

تنمو معدلات الرضا والانتماء لدى أفراد المنشأة عندما يتيقن كل فرد أن حقوقه محفوظة، وما سيتحقق للمنشأة من منافع ومكاسب سيعود عليه هو شخصيا بالنفع أيضا. كما أن كل فرد سيكون متحفزا بشكل دائم، من خلال روح الانتماء هذه، لتطوير وتحسين أدائه، مما سيثمر عنه تطور وتحسن أداء المنظومة بالكامل.

وفي نفس الوقت، ولتفادي أي أثر سلبي من قبل أي فرد، يجب تطبيق نظام محاسبة عادل على جميع أفراد المنشأة. ونتيجة لتطبيق التحفيز العادل يعمل جميع أفراد المنشأة كما لو أنهم محركات للدفع إلى أعلى، بينما تضمن المحاسبة العادلة تفادي أي أثر سلبي لأي فرد، ومن ثم فإن المنشأة بكاملها ستكون في حالة ترق دائم.

ويجدر هنا ذكر بعض الأمثلة العملية على أهمية العوامل الثلاثة (كوادر، تواصل، عدالة) لتحقيق ديمومة الترقي للمنشآت والأعمال. عرفت شركة كوداك كواحدة من الشركات الرائدة في أعمال التصوير التقليدي من خلال الأفلام الكربونية، إلا أن الشركة لم تستطع مواكبة النقلة التقنية الحادثة في مجال أعمالها، حيث وجد أن أحد أهم أسباب تراجع شركة كوداك خلل في استثمار كوادر المنشأة. كان السيد ساسون، أحد موظفي كوداك، أول من اكتشف، في حينه، تقنية التصوير الرقمي المنافسة لمجال عمل شركة كوداك، إلا أنه عندما بادر بالتواصل مع رؤسائه في الشركة لشرح فكرته لم يلق منهم الاهتمام اللازم، ونتج عن ذلك تأخر الشركة في مواكبة التغييرات الحادثة في مجال أعمالها. ومن ناحية أخرى فقد ربطت دراسة علمية لحالة انهيار شركة إنرون للطاقة، إحدى كبريات شركات الطاقة الأمريكية وقد أعلنت إفلاسها في ديسمبر 2001، الإفلاس الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، ربطت الدراسة ذلك الانهيار بضعف شديد في التواصل بين قياديي الشركة. إن غياب المحاسبة في أي منظومة سينتج عنه لا محالة الفساد ومن ثم الفشل المحتم، بينما تثبيت العدالة، كعنصر أساسي للنجاح، ينمي التحفيز والرضا لدى الموظفين. في قائمة فورتشن لأفضل 100 شركة يرغب الموظفون العمل فيها، حصلت شركة قوقل على المرتبة الأولى على مدى ثماني سنوات في آخر إحدى عشرة سنة. إن المنشأة التي يتمنى معظم الناس الانتماء إليها، هي بالتأكيد منشأة ناجحة. إن العوامل الثلاثة الأساسية لديمومة الترقي (الكوادر، التواصل، العدالة) متجذرة في منهجيات عمل شركة قوقل الرائدة.