المظاهرات الإيرانية.. أكثر من احتجاج

الاحد - 07 يناير 2018

Sun - 07 Jan 2018

من المؤكد أن الشعارات المرفوعة في المظاهرات الإيرانية أواخر عام 2017 - وهي بالمناسبة أكثر قوة وعنفا من مظاهرات عام 2009 - قد تجاوزت بعدها الاقتصادي إلى أبعاد سياسية لم تكن في الحسبان، وإن ظل هذا البعد حاضرا بقوة في المشهد الإيراني، فإلى جانب المعاناة من الفقر والتهميش والفساد، يكاد الثلاثي: البطالة، والغلاء، والضرائب أن يخنق أكثرية الإيرانيين، ويزيد من قسوة ظروفهم المعيشية، فالتضخم على سبيل المثال، قد ارتفع إلى 9.6% وهو معدل مرتفع قياسا على معدلات التضخم في بقية دول العالم التي لا تتجاوز 3.5%.

في هذه المظاهرات رفع المحتجون شعارات سياسية، عنوانها الرئيس: التدخلات الإيرانية السافرة في المنطقة، خاصة في لبنان وسوريا والعراق واليمن والبحرين. وما صاحب ذلك من نشر للفوضى وعدم الاستقرار، وإشاعة الحروب والصراعات المريرة، ما يشي بخيبة أمل شعبية حادة جراء تلك التدخلات، واستنزافها لخزينة الدولة الإيرانية، التي هي أحوج لمثل هذه الأموال لضخها في مفاصل الاقتصاد الإيراني، وتحسين ظروف الحياة القاسية التي يعاني منها الشعب الإيراني البائس.

من جهة أخرى، تحمل الكثير من القوى السياسية والشعبية في إيران مسؤولية ما يجري، من إشكالات اقتصادية واحتجاجية على عاتق حكومة الرئيس حسن روحاني، خاصة ما يتصل بتعثر تطبيق الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1، والماثلة في جلب الاستثمارات الخارجية إلى الاقتصاد الإيراني المنهك أصلا، ما أدى إلى إفلاس لبعض المؤسسات المالية، وتأثيرات كل ذلك على حياة معظم أفراد المجتمع الإيراني.

من جهة ثالثة يشهد الداخل الإيراني حالة استقطاب حاد، بين تياري المحافظين من جهة والإصلاحيين من جهة أخرى، وقد ظهرت للسطح خلافاتهم المريرة حول العديد من الملفات الاقتصادية والسياسية، بل يرى الإصلاحيون أنفسهم في روحاني غاية الخذلان، فقد همشهم بعد إعادة انتخابه عام 2016، ولم يسع للوفاء بوعوده الانتخابية تجاههم، والتي قطعها لهم أثناء حملته الانتخابية.

ولكن الجميل في مظاهرات إيران أنها زادت من الوعي الداخلي بضرورة وقف الدعم الخارجي والتدخلات الإقليمية وإعادة الاهتمام بقضايا الداخل، ومعالجة المشكلات الاقتصادية المتفاقمة، في ظل نحو 40 مليونا من الإيرانيين يقبعون تحت خط الفقر.

واشنطن من جهتها، وفي عهد إدارة الرئيس ترمب لم تعد ترتهن إلى الاتفاق النووي في رسم السياسة الأمريكية تجاه إيران، فقد قال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، إن الاتفاق النووي الإيراني الذي وصفه بالمعيب لم يعد النقطة المحورية لسياسة واشنطن تجاه إيران، وإنها تواجه الآن مجمل التهديدات الإيرانية، الماثلة في إطلاق الصواريخ الباليستية وأنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة. وأكد تيلرسون في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» على المضي قدما بسياسة واشنطن الجديدة لمواجهة توسع النظام الإيراني ودوره المخرب ودعمه الإرهاب في المنطقة وقال «إن جزءا من هذه الاستراتيجية يتضمن إعادة بناء التحالفات مع شركائنا في الشرق الأوسط».

بهذا الشأن أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في سياق سياساتها المتشددة تجاه إيران فرض عقوبات جديدة على 5 مؤسسات إيرانية مرتبطة ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، تابعة لمجموعة شهيد بكري الصناعية.

أكثر من ذلك، صعد الكونغرس الأمريكي من لغته الصارمة تجاه إيران، إذ اتهم 24 عضوا بمجلسي النواب والشيوخ إيران، ليس بانتهاك روح الاتفاق النووي فحسب، بل بانتهاك ما لا يقل عن ثمانية بنود من مضمون الاتفاق، وذلك خلال رسالة تم توجيهها إلى وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ووزير الدفاع جيمس ماتيس، ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «سي آي إي» مايك بومبيو.

وفي السياق نفسه تضمنت استراتيجية واشنطن الجديدة حيال طهران، وفي ميزانية الدفاع الأمريكية الجديدة للعام 2018، بنودا لرصد كافة أنشطة إيران المزعزعة للأمن والاستقرار، ودعمها للإرهاب والجماعات المتطرفة.

على كل حال، من المتوقع أن تدخل إيران في حالة من عدم الاستقرار والفوضى، لفترات زمنية غير قصيرة، في ظل أولويات معكوسة، ببرنامج نووي مكلف، والتدخل بشؤون الدول الأخرى، ودعم جماعات فئوية، وتصدير ميليشيات طائفية خدمة لمشروع الهيمنة والتوسع، وستكون العقوبات الأمريكية المتصاعدة أداة ضغط بالغة السوء على نظام انتهك كل المواثيق والأعراف الدولية.