من خطب الجمعة

السبت - 06 يناير 2018

Sat - 06 Jan 2018

سماحة الإسلام

«من الظلم وعدم الإنصاف أن تختزل سماحة الإسلام في عباداته فحسب، بل العبادات في الإسلام جزء من شريعة تامة مكتملة، فمن ولى وجهه شطر جانب المعاملات في الإسلام أبهرته الأنوار الساطعة للسماحة الرائعة في الآيات البينات والأحاديث المحكمات.

سماحة الإسلام ليست ضعفا أو استكانة، ولا ولن تكون مطية لاحتلال أرضه أو استباحة حرماته، وإن أرواحنا لرخيصة أمام مقدسات الإسلام وصيانة حرماته، وإن البادئ بالعدوان لهو الإرهابي الحقيقي، وليس إرهابيا من دافع عن أرضه وعرضه ومقدساته، وإن قضية المسلمين الكبرى في هذا الزمان هي قضية المسجد الأقصى الأسير، والقدس العربية الإسلامية، والتي ستظل إلى أبد الآبدين عربية إسلامية مهما عاند المعاند أو كابر المكابر، وليعلم الناس جميعا أنه لا يصلح العالم إلا إذا كانت العدالة ميزان العلاقات الإنسانية في كل أحوالها فلا يبغي أحد على أحد، ولا يهضم حق أحد لأجل آخر، فسماحة الإسلام لا تنافي الحزم والعزم خاصة في الحفاظ على المقدسات، وكذا في تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، ومواجهة التطرف والإرهاب، وخطر المخدرات والمسكرات، والتصدي بحزم للافتراءات والشائعات عبر المواقع والشبكات، ومحاولات إسقاط الرموز والنيل من ذوي الهيئات والمقامات من أفراد ومؤسسات، والإخلال بالأمن ونشر الفوضى والحط من الأقدار والكرامات، وشق عصا الجماعة ، فإن فئاما من الناس فهمت السماحة سماجة، والاعتدال انحلالا، فتنصلت من الواجبات، ونالت من المسلمات، وتفلتت من القطعيات، وتكالبت على تلفيق الفتاوى والأخذ بالرخص في غير مواضعها متعللين بالسماحة واليسر.

إن من فضل الله تعالى على بلاد الحرمين الشريفين أن جعلها بلاد التسامح والاعتدال، ورائدة الحزم والعزم ، فجمعت بفضل الله سوامق الخير وذوائب الشرف والفخر، ولا تزال بالخيرات مسورة، وبالبركات منورة».

عبدالرحمن السديس- الحرم المكي

حسن الظن بالله

«من ثمار الإيمان بأسماء الله وصفاته حسن الظن به جل وعلا، والاعتماد عليه وتفويض الأمور إليه.

إن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة منها والباطنة، ودخول أعمال القلب في الإيمان أولى من دخول أعمال الجوارح، فالدين القائم بالقلب من الإيمان علما وحالا هو الأصل المقصود والأعمال الظاهرة تبع ومتمة، ولا تكون صالحة مقبولة إلا بتوسط عمل القلب، فهو روح العبادة ولبها، وإذا خلت الأعمال الظاهرة منه كانت كالجسد الموات بلا روح، وبصلاح القلب صلاح الجسد كله، قال عليه الصلاة والسلام ( ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) متفق عليه.

من آكد أعمال القلوب حسن الظن بالله فهو من فروض الإسلام وأحد حقوق التوحيد وواجباته، ومعناه الجامع كل ظن يليق بكمال ذات الله سبحانه وأسمائه وصفاته، فحسن الظن بالله تعالى فرع عن العلم به ومعرفته، ومبنى حسن الظن على العلم بسعة رحمة الله وعزته وإحسانه وقدرته وعلمه وحسن اختياره، فإذا تم العلم بذلك أثمر للعبد حسن الظن بربه ولا بد، وقد ينشأ حسن الظن من مشاهدة بعض أسماء الله وصفاته، ومن قام بقلبه حقائق معاني أسماء الله وصفاته قام به من حسن الظن ما يناسب كل اسم وصفة لأن كل صفة لها عبودية خاصة، وحسن ظن خاص بها.

إن كمال الله وجلاله وجماله وأفضاله على خلقه موجب حسن الظن به جل وعلا, وبذلك أمر الله عباده, إذ قال سبحانه (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) وقال سفيان الثوري رحمه الله (أحسنوا الظن بالله)، وأكد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته على ذلك لعظيم قدره، قال جابر بن عبدالله رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول : (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل). رواه مسلم»

عبدالمحسن القاسم- المسجد النبوي