عبدالله المزهر

الأعرابي النصاب!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الخميس - 04 يناير 2018

Thu - 04 Jan 2018

كنت أنوي الحديث بتوسع عن «الأعراب» ومن هم، وغير ذلك من الأمور المتعلقة بالإخوة الأعراب، لكني بعد أن بدأت الكتابة وجدت أن كثيرا مما سيكتب قد يفهم بطريقة لم تكن هي التي أردت، وسبب ذلك بالطبع هو فشلي في إيصال المعلومة والتعبير عما أريد، وليس لأن هناك من يريد تفسير الأمور على هواه، وكما تعلمون فإنه لا يوجد أصلا في العالم من يريد تفسير الأمور على هواه والدخول في نوايا الناس، وتعلمون أيضا أنه لا يوجد البتة من يهوى زرع الكلمات التي لم تقل عنوة بين أسطر الكتاب وعلى شفاه المتحدثين.

أما سبب نيتي الكتابة عن الأعراب من الأساس فهو أني قد ضقت ذرعا بذلك الأعرابي البغيض الذي يستخرجه بعض الناس من بين دفات الكتب مع كل زيادة أو ضريبة أو مصيبة تحل بجيب المواطن لكي يتحدث عن الزهد والدنيا الفانية والقناعة التي لا تفنى.

ولأن محاولة فهم الناس أجدى وأنفع من الحقد المجاني دون بصيرة فقد أردت أن أفهم كيف يفكر ذلك الأعرابي المستفز فربما يكون له عذر ونحن نلوم.

أردت النبش في كتب التاريخ لأعرف نوعية الدابة التي كان يستخدمها وما هو نوع الوقود الذي كان يستخدمه لها، وهل كانت تتأثر دابته بأسعار النفط أم إنها كانت أكثر مواطنة منه فلا تتأثر ولا تشعر ولا تحس.

كنت راغبا بشدة في معرفة حقيقته، هل كان يستخدم دابته الخاصة في قضاء مشاويره أم إنه كان يستخدم الدواب العامة التي توفرها الدولة.

وتوصلت بعد طول بحث إلى أن مشكلة الأعرابي ببساطة أنه لم يكن لديه تلفزيون، ولم يكن يقرأ الصحف، ولم يكن يعلم بماذا يصرح المسؤولون، ولا بماذا يعدون، ولذلك فقد كانت الحياة بالنسبة له أسهل وأقل استفزازا. ولم يكن يرى الكثير من الفروقات بين الناس، فأسعار الدواب متقاربة، وخالقها واحد، وكان يمكن لأي أحد من الناس الذين يراهم أن يبني مسكنه أو خيمته بنفسه دون أن يضطر لانتظار وزير ديوان الإسكان لكي يسلمه مفتاح خيمة سيدفع أضعاف ثمنها لشاهبندر التجار الربوي الجشع.

لم يكن يتواصل مع بقية الناس مستخدما شركات اتصالات تعبث بالأسعار وبالخدمات كيفما تشاء دون خوف لا من الله ولا من دولة ولا من مواطنين.

لم يكن مضطرا لسماع لقاءات المسؤولين الذين يتكلمون كثيرا ولا يقولون شيئا، كانت كل الأرض له، ينتقل حيث يشاء في الوقت الذي يشاء، ولذلك تبدو نصائحه التي تظهر مع ارتفاع الأسعار منطقية ومتسقة مع حياته.

وعلى أي حال..

كثير من قصص التراث ليست حقيقية، وربما كان هذا الأعرابي المتخصص في قصص الزهد مسجونا، ولم يقل شيئا مما قيل على لسانه، هي مجرد طرائف ولطائف تروى على سبيل التسلية، تماما كما سيقرأ الناس في المستقبل أخبار الحمقى والمغفلين والتي ستكون مادتها الرئيسية هي الآراء والتحليلات والتصريحات التي نسمعها اليوم ويتحفنا بها مجانا كثير من الخبراء والمحللين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين وكتاب الأعمدة الصحفية.

@agrni