عبدالله الجنيد

جمهورية الخرافة

الأربعاء - 03 يناير 2018

Wed - 03 Jan 2018

كيف من الممكن تناول حالة الفوران الشعبي المتصاعدة منذ انطلاقتها من مدينة مشهد لتصل عموم التجمعات البشرية الكبرى الإيرانية في غضون أربعة أيام. وطهران تكتشف وبشكل يومي أنها أمام حالة تحول حقيقي غير قابلة للاحتواء بأدوات القهر التقليدية، وما تريثها في استخدام القوة المفرطة أسوة بعام 2009 إلا لإدراكها أن رمزية الثورة لم تعد كافية لتبرير ضريبة الدم أو المغامرة بتفسخ الجمهورية. وما اتهام خامنئي للحراك بالخيانة والعمالة لأطراف خارجية بعد نهاية اليوم الخامس للانتفاضة إلا تأكيد لما تقدم.

ما تبقى الآن للقيادة السياسية في طهران هو اتخاذ قرارها باستخدام القوة المفرطة لإنهاء الانتفاضة الشعبية، وحال حدوث ذلك فإن القوميات غير الفارسية ستعتمد المبدأ ذاته في مواجهة الدولة المركزية، وقد يكون ذلك هو أحد الأسباب الرئيسة للتروي في اتخاذ ذلك القرار، إلا أن الإفراط في التروي قد يعزز شعور الإحساس بالعزلة لدى القيادات الأمنية والعسكرية، مما قد يدفع ببعض منتسبيها إلى الانشقاق العلني، وعندها ستفقد تلك القوة العنصر المعنوي اللازم لمواجهة الانتفاضة.

على الجانب الآخر تدرك إيران أن الحرس الثوري هو عماد قوتها العسكرية والموزع الآن بين أكثر من مسرح عمليات خارجية، أما الباسيج (الباسدران) فهي ميليشيات مهمتها الأمن المحلي لا القومي، وتأهيلها لا يتناسب وحرب المدن أو مقاومة الإرهاب Urban Warfare or Counter-terrorism في حال تعسكرت الانتفاضة في أطراف الجمهورية باتجاه القلب، أما في حال قررت إيران الاستعانة بقوات خارجية مثل قوات الحشد الشعبي، ومن في حكمها من ميليشيات مثل فاطميون، فإنها بذلك ستعطي الذريعة لأطراف خارجية في تقديم الدعم والإسناد لتلك القوميات غير الفارسية من الكرد وعرب الأحواز والبلوش.

برامج الإصلاح لن تحتوي الأزمة القائمة الآن، وذلك أمر قد قطع فيه منذ رفض النظام الاستجابة لدعوات مير حسين موسوي في 2009 حين قال «نحن نريد إعادة الثورة خومينية»، وذلك ما أكدته إحدى المتظاهرات حيث قالت «يلومنا الشباب على الإتيان بحكم الملالي القائم، لذلك خرجت اليوم لاقتلاع هذا النظام». كل من خرج في مدينة مشهد في 28 ديسمبر كان ممن خسر كل مدخراته ومعاشه التقاعدي، بل وممن شارك في ثورة 1979. وحتى «بافتراض» أن ذلك الخروج قد مهد له من قبل أحد الأطراف السياسية بغية إحراج خصم آخر، إلا أن ذلك الخطأ قد يتسبب في انهيار جمهورية الخرافة المسماة بجمهورية عدالة السماء.

خيارات روحاني محدودة الآن، فهو لن يستطيع إقناع الإيرانيين ببرنامج إصلاح وهو في زي رجل دين. لذلك سيتعين عليه التخلي عن الرئاسة أو التخلي عن العمامة. ومهما كانت المحصلة النهائية لهذه الانتفاضة إلا أن ولاية الفقيه بكل تفاصيلها قد طعن فيها من أوصلها لسدة الحكم في 1979.

موجات الارتداد ستتجاوز إيران سياسيا واجتماعيا حتى وإن لم تسقط جمهورية الخرافة في طهران، وسيصعب على أربعة أجيال من غير الإيرانيين التخلي عن حلم جمهورية الخلاص من الاضطهاد كما تخلى عنها الإيرانيون اليوم. وإلا كيف سيفسر تخلي السماء عن الجمهورية لصالح قوى الاستكبار. وهنا نحن نتحدث عن أربعة أجيال مُسخت هويتها الوطنية والروحية والإنسانية لدرجة قبولها الانتماء لقومية المستضعفين في جمهورية الخرافة الشيعية. الشعوب الإيرانية التي عانت من قهر هذا النظام الكهنوتي الفاشي على مر العقود الأربعة الماضية سوف تتجاوز ذلك الإرث لأن النظام القائم قد سقط أخلاقيا في وجدان كل إيراني، أما مسألة سقوطه سياسيا فتلك مسألة وقت ليس إلا.

@aj_jobs