مقاعدهم للدراسة أم للوناسة

الثلاثاء - 02 يناير 2018

Tue - 02 Jan 2018

ونحن في موسم الاختبارات أسترجع بذاكرتي لجيل قد مضى من الزمان، وتحديدا عندما كنت طالبا على مقاعد الدراسة، أذكر تفاصيل مباني مدرستي بمراحلها الثلاث الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وما زال في مخيلتي ذلك الفصل وتلك المقاعد المتلاصقة وأمامي السبورة السوداء وبقايا الطبشور الأبيض، أحن لذلك الفناء وحصص الرياضة وطابور الصباح وأساتذتي الكرام جزاهم الله عنا خير الجزاء؛ وما زلت أتواصل مع بعضهم إلى يومنا هذا. والبعض الآخر سافر إلى بلاده، ومنهم من توفاه الله.

كانت فترة الاختبارات لها قدسيتها ورهبتها الخاصة عند الطلاب وأسرهم، ويستعدون لها مسبقا وتعمم حالة الطوارئ على البيوت، فيمنع الخروج واللعب أو التنزه إلى أن تنتهي الفترة الحرجة، وكل واحد منا يستشعر أن لهذه الفترة رونقا خاصا من التوتر الممزوج بالتحدي، مع العلم بعدم توفر أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي الحالي سوى الهاتف الثابت في حال رغبنا التثبت من معلومة في مناهجنا المقررة، إضافة لوعينا التام بمكانة المعلم واحترامه وكيفية المحافظة على الكتب وسرعة إنجاز الواجب المنزلي بإتقان، ونشعر بالخجل في حال تسلمنا تقرير كشف الدرجات ليشير بتقدير «جيد» إلى إحدى المواد.

وأذكر حرصنا في سرعة الاستجابة لأي سؤال يطرحه المعلم علينا داخل الفصل، وإذا أجاب أحد الطلاب تنتابنا حالة من الغيرة المحمودة والمنافسة الشريفة لنستعد في إجابة أي سؤال آخر، ونتسابق للجلوس في الصفوف الأمامية من الفصل، حتى الطلاب غير المجتهدين آنذاك كانوا حريصين على مسايرة ومجاراة المتفوقين من الطلاب للاقتباس منهم وتقمص سلوكهم أحيانا.

في هذه الفترة أعقد كثيرا من المقارنة التي تشعرني بالاستغراب أحيانا والاستهجان والاستنكار كثيرا لحال طلبة هذا الجيل ذكورا كانوا أم إناثا، أتأمل واقعهم وألاحظ سلوكهم في نفس المراحل التعليمية الثلاث التي مررت بها، ويراودني تساؤل.. ما الفرق بين ما كنا عليه كطلاب وحال طلبة اليوم؟

قد يبدو لي أن العملية التعليمية والتربوية قد اختلفت كثيرا عن السابق؛ وأجد أن الحرص والإحساس بالمسؤولية تناقص كثيرا عما مضى؛ فالعملية التربوية ترتكز على ثلاث قواعد رئيسة هي المعلم والطالب والأسرة، وأرى أن لكل واحد من هذه الركائز دورا قد اختلف عما كان عليه، فالمعلم والمدرسة انخفض معدل حرصهما في ترغيب الطلاب واتباع الوسائل المحفزة سواء كانت نفسية أو ترفيهية أو تعليمية، حيث كانت في السابق رسالة وفخرا لكل معلم بتسمية الفصل باسمه ليرتبط بإنجازاته، ويقوم بتنويع وسائل الجذب لطلابه من حيث تبسيط المنهج وتذليل الصعاب ومحاولة الربط بين الطالب وفكرة الكتاب المقرر عليه بكل يسر وسهولة، ويبادر في حال إخفاق الطالب تعليميا أو قل استيعابه بأن يتواصل مع والديه لعقد التعاون فيما بينهم لتنشيط الطالب وإعادة تركيزه والمشاركة في حل أي مشكلة لديه.

أصبح التركيز حاليا والشغل الشاغل للمدارس و»الأكاديميات» كما يتم إطلاقها على بعض المدارس كأسلوب تسويقي جاذب فقط بصرف النظر عن المحتوى التعليمي لها، مع الاهتمام بإقامة الاحتفالات المدرسية والألعاب والمشاركات اللاصفية وغير المنهجية أكثر خصوصا في المراحل الابتدائية وشغلهم عن التحصيل العلمي الأساسي.

مما لاحظته أيضا انخفاض همة الطلاب ولهفتهم على المدرسة والتعلم وذلك لعدة أسباب، الأول يكمن في وسائل التواصل الاجتماعي المشتتة للذهن والتي أصبح الآباء يوفرونها لأبنائهم من غير تقنين أو رقابة لمحتواها، والسبب الثاني هو التقليل من هيبة المعلم كنموذج يحتذى به مثل بعض حالات الاعتداء على المعلمين خصوصا فترة الاختبارات، والثالث هو دور الأسرة وخصوصا في فترة الاختبارات لم يعد حرصهم كالسابق في دفع الأبناء للدراسة والاستيقاظ المبكر والمداومة اليومية وتحصيل العلم ومتابعة واجباتهم المدرسية والتعاون مع المعلم والمدرسة، بل أصبح همهم هو الخروج والتنزه واللقاءات العائلية والأصدقاء والتجمعات والسفر.

لا أعمم هذا السلوك على كل الطلاب أو المدارس أو الأسر، ولكن أجدني أشاهد الفارق أصبح واضحا، وشتان بين طلاب الأمس الحريصين كل صباح ليكونوا على مقاعد الدراسة وما نراه اليوم من الذهاب للوناسة.