منيف خضير الضوي

الإشراف التربوي والمدارس المنتجة

الثلاثاء - 02 يناير 2018

Tue - 02 Jan 2018

لا يتصور البعض معادلة الطالب الذي (يتعلم وينتج ويربح) في آن واحد. الصورة النمطية التي تربينا عليها في بلدان الخليج الثرية أن الطالب مدلل تتولى الدولة (الأبوية) كل شيء يخصه، ففي بلادنا فقط تبلغ تكلفة الطالب في التعليم العام للسنة الواحدة أكثر من 20 ألف ريال، وإذا كان عدد الطلاب لهذا العام يتجاوز 6 ملايين طالب وطالبة، فإن الدولة (أعزها الله) تصرف أكثر من 72 مليار ريال كتكلفة تقديرية بحسب تقديرات وإحصاءات الوزارة على طلاب التعليم العام فقط. وفي هذا العام استقبلت وزارة التعليم 590.1 ألف طالب وطالبة انضموا للتعليم الابتدائي العام الجاري، بلغت تكلفتهم نحو 11.9 مليار ريال.

مبالغ ضخمة جدا ومرهقة لميزانيات الدولة والوزارة، ومن هنا لا بد أن نتساءل ما الحل لإيجاد مصادر تمويل بديلة للمدارس؟

وإن كنا نرى بطبيعة الحال أن التعليم حق لكل فرد، وهو مبدأ إنساني يعلو فوق القيمة الحسابية المادية، فرأس المال البشري يفوق رأس المال المادي، ولكن ثمة من يؤيد مبدأ قياس العائد من التعليم تأييدا مطلقا، ولا يرى هؤلاء المؤيدون ما يمنع من استخدام نفس أساليب القياس التي تستخدم في قياس الظواهر المادية الجامدة.

وفي السنوات الأخيرة ثمة توجه للدولة نحو الاستثمار في مجال الاقتصاد القائم على المعرفة، وبرز في هذا الإطار مفهوم اقتصاديات التعليم، لأن اقتصاديات التعليم في التربية أدت إلى رواج كثير من المفاهيم والمصطلحات، ومنها المدرسة المنتجة، لما لها من دور مهم وحيوي في تحقيق التكامل بين التعليم والإنتاج؛ حيث التوجه العالمي نحو تفعيل الشراكة مع الإنتاج.

ولكن لا يزال هناك تردد عندنا في وضع السياسات والأهداف لعملية تطبيق المدرسة المنتجة، وإعداد الطلبة لخدمة المجتمع وسوق العمل، وتطوير قيمة العمل، ووضع السياسات والأهداف العامة والخاصة لعملية تطبيق المدرسة المنتجة في التعليم العام، وتحقيق الشراكة المجتمعية بين المدرسة والبيئة المحيطة بها، ويبرز دور الإشراف التربوي في هذا السياق كعملية قيادية توجه المدارس والمعلمين إلى نشر ثقافة العمل وربطها بمتطلبات التنمية وسوق العمل، وفقا لتوجيهات ديننا الحنيف الذي يحض على العمل وعلى الكسب الحلال. ونهجت كثير من الدول التي تعرضت لأزمات اقتصادية منهج المدرسة المنتجة ومنها مدارس تركيا، حيث يرتكز إنتاج هذه المدارس المنتجة التي يصل عددها إلى 347 مدرسة من إجمالي 1473 ثانوية صناعية في قطاعات الملابس والمنسوجات والأثاث المنزلي والمكتبي.

ولعبت هذه المدارس الصناعية دورا في إنعاش صناعة الملابس والمنسوجات التي يصل حجم الصادرات التركية منها في السنوات العشر الأخيرة من 12- 15 مليار دولار، وهذا الأمر دفع برئيس شعبة العاملين بالساعات بغرفة تجارة إستانبول إلى السعي لإنشاء أول مدرسة فنية متخصصة في تعليم وإنتاج وصيانة وإصلاح الساعات، حيث سيوفر ذلك على بلاده سداد مبلغ يقدر بحوالي 120 مليون دولار تنفقها تركيا سنويا على استيراد ساعات من الخارج. ورغم سلبيات النموذج التركي في المدارس المنتجة فإنه استمر، ووجد قبولا في دولة يمثل فيها القطاع الصناعي أكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي حيث بلغ حجم الإنتاج السنوي للمدارس الصناعية الثانوية ما قيمته 65 مليون دولار عام 2004، كما حقق أرباحا في العام 2010 بلغت 7 ملايين دولار؛ وهو ما يتطلب مزيدا من المخصصات المالية سواء من الحكومة أو القطاع الخاص، لا سيما أن هذه المدارس تقدم لسوق العمل سواعد فنية فتية ومدربة للشركات والمصانع.

وقد تبنت المملكة «رؤية 2030» لتكون منهجا وخارطة طريق للعمل الاقتصادي والتنموي في المملكة. وتوفير الفرص الوظيفية بحسب الرؤية سيتم عبر عدة مسارات حيث سيتم العمل مع القطاع غير الربحي بالشراكة مع القطاع الخاص من أجل العمل على توفير فرص التدريب والتأهيل التي تمكن الشاب من الالتحاق بسوق العمل، وأيضا سيتم التوسع في مجال التدريب المهني.

ولعل المراقب للمباني المدرسية يجد فرصا استثمارية معلقة دون فائدة، فالأراضي المخصصة للمدارس و(الجامعات أيضا) بلغت مساحاتها أرقاما كبيرة، حيث يوجد ما يقارب 70 مليون متر مربع من الأراضي المخصصة للتعليم لم تستثمر بعد، منها 10 ملايين متر مربع في الرياض وحدها.

كما أن رجيع الكتب المدرسية السنوي يشكل عائدا مفقودا (هدر تربوي) يمكن الاستفادة منه بتدوير الورق أو استثماره، ومن هنا قام مكتب التعليم (الشؤون التعليمية) في محافظة رفحاء هذا العام 1439 بتبني فكرة جمع الكتب المدرسية من مدارس البنين والبنات تحت مسمى «مبادرة حافظ»، وذلك لتحقيق أهداف ومكاسب تربوية أقلها المردود المادي وأعلاها تعزيز التربية القيمية التي تنطلق من قناعاتنا الدينية والوطنية والمهنية، وستشكل هذه المبادرة مصدر تمويل لا يستهان به لقطاع التعليم.

فماذا لو تبنى الإشراف التربوي أو غيره من الجهات في الوزارة مبادرة من هذا النوع على مستوى مدارس المملكة للبنين والبنات، بدلا من آلاف الأطنان من الكتب التي ترمى في الطرقات والنفايات وتمتهن في تصرفات غير مسؤولة تنقلها وسائل الإعلام لعينات كبيرة من أبنائنا الطلاب؟

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال