لغة الضاد العريقة

الاثنين - 01 يناير 2018

Mon - 01 Jan 2018

ما أجمل أن تحتفل وتحتفي الأمة بلغة الضاد في اليوم العالمي لها، وأنا هنا لا أقصد الأمة العربية فقط، ولكن ينتظم في سلك هذه الأمة ألف وسبعمائة مليون مسلم يعبدون الله بهذه اللغة الثرية بالمفردات، ولن أكون مبالغا إذا قلت إنها اللغة الوحيدة التي ترجمت آهات الإنسان وأحاسيسه وخلجات نفسه، بل إنها ترجمت حتى وقع أقدام كل مخلوق يدب على ظهر هذه البسيطة، وإن المتأمل في مفرداتها ووقع موسيقاها سوف يجزم أنها تمتعت بعناية رب حفظها حين أنزل قرآنا يتلى بها إلى يوم القيامة، فأي شرف نالته وأي عز طوق ويطوق جيد كل من انتسب إليها، نعم ألف وسبعمائة مليون إنسان يلهج لسانه في كل صلاة وعبادة ومناجاة بهذه اللغة، ومن فائق شرفها أن الله أمر من يصلي لا بد له أن يقرأ فاتحة الكتاب بها، إذن هذه اللغة ليست مقتصرة على العرب فقط، بل كل إنسان أراد أن يهتز طربا ونشوة حين تشنف آذانه مفردات لغة الضاد، وكم تجنى عليها بعض منتسبيها ومناوئيها على حد سواء الذين زعموا أنها فقيرة ولا تتناسب أو تجاري عصر التكنولوجيا، هم لم يشاؤوا أن يعترفوا بقصورهم، وأنها قد أعيتهم مفرداتها، فراحوا يصمونها ويصفونها ظلما وبهتانا وزورا بصفة هم أحق بها وأهلها، وصدق من قال (رمتني بدائها وانسلت). وإني لأتساءل في تعجب كيف تعجز لغة فيها من المفردات ما يربو ويزيد على اثني عشر مليون مفردة، ولكن يقولون ويا للأسف إن المنتصر هو من يكتب التاريخ، ولأن أفراد هذه الأمة تكاسلوا وناموا كنومة أهل الكهف، سبقهم من كان عالة عليهم بصناعات واختراعات، فدهشوا لذلك وظنوا أن لغتهم لا تستطيع مجاراة الاختراعات ترجمة، ولو كانوا منصفين لهبوا واستيقظوا من سباتهم وأظهروا للعالم عكس ما يظن، ولكن لا يأس مع الحياة كما يقال، وأننا على ثقة ويقين أن في الأمة غيورين سوف يذكرون العالم بأنهم أصحاب لغة كان يفتخر الشاب الأندلسي من غير العرب إبان مجد هذه الأمة حين يتكلم ولو مجرد عبارات قليلة بهذه اللغة، فكانوا يرونه قد بلغ من التقدم والرقي بحيث ينبغي أن يشار إليه بالبنان، وأن يخطب وده. ولكن - وآه من لكن - حين ينام أصحاب الحق عن حقهم، بل تزيد الحسرة حين يولد شباب يرى في التحدث بلغته تأخرا عن ركب التقدم والحضارة، ويعجب أيما إعجاب حين ينطق بمفردات لغة قوم انبهر بهم حتى نسي انتماءه لأمة سادت وستسود لو استيقظ أهلها.

وهذا لن يمنع أبدا تعلم لغة الآخرين، فليس من المعقول ولا المنطق أن نتقوقع ونكون محدودي الأفق، فإن الله قد خلق الخلائق بشتى الألسن واللغات لكي يتعايشوا وتكتمل منظومة الخلق في حلقه، كما أرادها الباري جل في علاه، كل أمة تأخذ وتعطي، فيحدث التناغم، وعدم التعايش مع الآخر هو أس التخلف والرجعية، حتى وإن لم يدركوا ذلك، وفي المقابل فإن الذوبان والتماهي في حضارات الغير بدون وعي هما من قبيل الضعف والانهزام وفقدان الشخصية، ولكن خير الأمور الوسط، ولولا التعصب والعصبية وتفضيل الأنا لعاش الناس في سلام ووئام.

فيا أمة رفعها الله بلغتها حذار أن يأخذك التيار فتضيعين وتفقدين هويتك، فالعالم لا يرحم المتكاسل الضعيف المنهزم الذي أسلم قياده لكل من هب ودب.

ونحن على ثقة أن هذه الأمة لا يمكن أن تموت وتتلاشى، فلها يقظة، هذا أملنا ورجاؤنا، وليس مجرد أمل الحالمين، بل أمل المثابرين الذين تملأ نفوسهم الثقة بخالقهم أولا ثم بما لديهم من إرث حضاري لا ينكره إلا جاحد.

وأخيرا متى تدرك هذه الأمة أن العالم ينظر إليها بوجل خشية أن تستيقظ، فليكن هذا دافعا قويا لشحذ الهمم والنهوض لقيادة العالم الذي يشيخ من حولنا.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال