«اعمل شكرا»

الاثنين - 01 يناير 2018

Mon - 01 Jan 2018

يراجع الإنسان نفسه ويتأمل في أحواله بين فينة وأخرى ليرى ما أنجز وما عمل وقدم. ولعل نهاية العام الميلادي مدعاة لهذه المراجعة. ففي هذه الأيام راجعت نفسي ودونت ما قمت به وما فشلت في إتمامه، وجدتني أخوض معركة الحياة محاولا أن أكون سببا في إصلاح أو تغيير وتطوير من خلال أسرتي وأصدقائي وعملي. ووجدتني كذلك أصارع لأترك أثرا من خلال ما أكتب في هذه الصحيفة أو في تويتر ومن خلال المناقشات مع من أجالسهم. باختصار، إن كل ما أقوم به هو أني أريد الأفضل لي ولأسرتي ولوطني، فأنجزت جزءا بسيطا مما أطمح، ولا يزال العمل مستمرا للمزيد من خلال الدوائر التي أنا فيها. رغم كل ذلك، اكتشفت -بعد التأمل- أني أخوض هذه المعركة بطريقة خاطئة وظالمة.

إن همي لحياة أفضل جعلني لا أستوعب الزحام الكبير من النعم التي أنا وأهلي ووطني فيها.

انتبهت أني مقصر في شكر الله على هذه النعم والتي قد تفنى لو لم ندركها ونشكر رازقنا عليها. فشكر الله عبادة وسبب في استمرار النعم وبقائها. ألا نستنتج من قصة سليمان عليه السلام بعد أن آتاه الله الملك والخير أن النعم تدوم بالشكر؟ وذلك حين قال كما ورد في القرآن الكريم «هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم». هذا من الجانب الديني أو الواجب الرباني تجاه النعم، أما من الجانب النفسي فلقد أيقنت أني لو أمضيت جزءا من يومي متأملا ومتلذذا بهذه النعم لكان أولى وأهم من سعيي الحثيث على التغيير والتحسين. لأن في تأمل النعم طاقة إيجابية ودافعا لبذل مزيد من الجهد والعطاء. إن الشعور الدائم بالنقص وأن نرى الأشياء بعين باحثة عن القصور هو شعور هدام، محبط، وقاتل للإنتاجية. لهذا السبب سأحاول أن أغير من حالي لأكون أكثر شكرا لله وأحرص على اكتشاف هذه النعم الموجودة بدلا من البحث عن المفقودة.

إن أولى خطوات شكر النعمة هي محاولة معرفتها، ولا يمكننا معرفتها كلها وحصرها من كثرها. فمهما نالنا من مصائب وأزمات، لا تزال النعم أكبر وأكثر من تلك المصائب. ولهذا إدراك هذه الحقيقة بحد ذاتها مدعاة للتفاؤل والسعادة والرضا.

فاللهم لك الحمد على ذلك. ومما يجب استيعابه كذلك أن دوام الحال من المحال، فلنستمتع بما نحن عليه من النعم ولا نكن من الساخطين. يقول الشاعر أبوالبقاء الرندي في رثائه للأندلس التي كانت نعمة على المسلمين قبل أن ينهزموا ويطردوا منها:

هي الأيام كما شاهدتها دول

من سره زمن ساءته أزمان

وهذه الدار لا تبقي على أحد

ولا يدوم على حال لها شان

إن مختصر ما آل إليه تأملي هو أن الدنيا الغالب فيها النعم والخير، فشكر الله هو المشعل في هذه الحياة وسبب للطموح والعمل لعالم أجمل.

قفلة: الشكر عمل وليس قولا. ألم يقل ربنا عز وجل «اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور»؟

@RMRasheed