أحمد الهلالي

الزمن السعودي!

السبت - 30 ديسمبر 2017

Sat - 30 Dec 2017

لم تكن الأمور قبل عقدين على ما نراها اليوم، فقد كانت القمة العربية تعقد بانتظام، وكان القرار العربي يتحرك باتزان بين أقطاب عربية مؤثرة، أبرزها (السعودية ومصر والعراق وسوريا)، وكانت دول مجلس التعاون الخليجي كتلة واحدة تتحرك برؤية وبصيرة، لكن العجلة تعثرت في الحجر الآثم الذي ألقاه الطاغية صدام حسين باحتلال الكويت، واختل التوازن العربي، فتصدعت العراق وتبعثرت، فكانت فجوة كبرى في جدار الوطن العربي، ثم ترنحت سوريا وسقطت وتلاشت من خانة الوحدة العربية، ثم توقفت مصر في خانة السكون الواهن، ناهيك عما حل بليبيا واليمن، والحالة اللبنانية المعقدة، والتوتر بين تونس والجزائر، والتوترات القاتمة التي تخلقها قطر بأجندة خبيثة في مسار العجلة الخليجية، والمسار العربي كله.

كل تلك الأحداث والسعودية صامدة تؤدي دورها العربي والخليجي، لكن سقوط وسكون اللاعبين العرب المؤثرين أبقاها وحيدة في مواجهة كل الزوابع التي تعصف بالمنطقة، فما كان أمامها من خيار إلا أن تكون الجبل العاصم لأمة تسوء حالتها يوميا، والفارس المدافع عن اختراق قوميات أخرى للنسيج العربي، فكان لزاما عليها أن تقوم بدورها التاريخي وواجبها العربي، وأن تواجه الطوفان الخطير العاصف بالمنطقة، بكل قواها الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية؛ فاتخذت قرارات مصيرية وتاريخية في العديد من القضايا العربية وما تزال.

لا نعتب كثيرا على من يهاجمون السعودية من أشقائنا العرب؛ لأنهم يعيشون بذاكرة (قصيرة) ويجهلون الحالة المعقدة التي أنجبت القرارات السعودية، بناء على ما تضخه وسائل الإعلام المناوئة للدور السعودي التي تغذيها قوميات ومعتقدات وتوجهات معادية، أو ما تختزنه أدمغتهم من شعارات كان يرفعها اللاعبون المتساقطون ضد السعودية، وهي تغضي حياء وتترفع عن الرد عليها بغية الحفاظ على الصف العربي، فما يزال الكثير من المواطنين العرب مسكونا بخطابات صدام والقذافي والأسد وعلي عبدالله صالح وغيرهم ممن لم تردعهم خطاباتهم عن إبادة شعوبهم ومقدرات أوطانهم من أجل نزعات شخصية أو شيطانية.

كثير من اليمنيين لم يؤمنوا بالدور السعودي، ولم يوقظ إيمانهم إلا الطلقة الحوثية في رأس علي عبدالله صالح، والمؤسف أن إيمانهم لم تنتقل عدواه إلى العرب الآخرين، وما تزال أدمغتهم محقونة بسموم (قناة الجزيرة والمنار والميادين والعالم وغيرها)، وحتى بعض الخليجيين لم يستشعروا إلى الآن صواب الموقف السعودي والإماراتي والمصري والبحريني من النظام القطري، وأرجو من كل قلبي لهؤلاء ألا يدركوا صواب ذلك بعد فوات الأوان، فالحالة الخليجية متماسكة لولا حراك النظام القطري السلبي تجاه الخليج والوطن العربي.

أما قضية القدس فقد تحولت من كرة نار، إلى علكة في ألسنة كل الفرقاء، لكنها لا تتجاوز ذلك الوصف، فكل من يسجلون بطولات قولية بقضية القدس، لم يقتربوا مطلقا من حالة الفعل، لكنهم يشحنون العوام والغوغاء العربية ضد الداعم الحقيقي الوحيد للقضية الفلسطينية، ولم يستحيوا حين قالها الرئيس الفلسطيني في قمتهم القولية في تركيا، بل واصل بعضهم الردح البغيض دون حجة ولا سلطان، أما بلادنا فتكتفي بالفعل الذي يشهد به صاحب الحق الأول في الحديث عن قضية فلسطين فخامة الرئيس محمود عباس.

رغم كل التجاوزات من الأشقاء العرب في حق بلادنا وقيادتها، لكنها لم ولن تتخلى عن دورها المهم جدا في الشأن العربي كله؛ لأننا بكل بساطة نشعر أن أشقاءنا ما يزالون تحت تأثير الشعارات والخطابات، ولا يفرقون بين الصواب والخطأ إلا كما كان يفرق الرئيس اليمني السابق، لكننا نرجو من أعماقنا ألا يلقوا مصيره المشؤوم.

ahmad_helali@