خضر عطاف المعيدي

قانون الانصهار المجتمعي والثقافي

الجمعة - 29 ديسمبر 2017

Fri - 29 Dec 2017

التغيير سنة كونية جعلها الله دليلا على وجوده، ومنذ فجر البشرية والإنسان يصارع من أجل البقاء، ومن قوانين الصراع التي عاشها ولا يزال يعيشها الإنسان مقاومته ومعاداته لكل جديد، لكنه ما يلبث إلا أن ينصهر انصهارا كليا مع هذا العدو.

وهذا العدو يتنوع بتنوع المجتمع ثقافيا وعلميا، ولعل أجمل من عبر عن التغيير هو الفيلسوف الهندي غاندي حينما قال «إذا لم تستطع من تغيير المجتمع فغير من نفسك». والتغيير ليس بالأمر السهل خصوصا عندما يكون العنصر الإضافي الجديد مخالفا لما نشأ عليه الفرد وما استشربه كقيمة عليا ودستور فكري، فليس بالسهل إزالته وفق «قانون الإزاحة»، أو وفق «قانون الإبدال» بل لا بد من هدم للثابت الأساسي ليتمكن العنصر الطارئ من توغله إلى الحيز المراد تغييره.

ويحتاج الأفراد أحيانا ليس إلى هدم الثوابت من أجل التغيير، بل إلى مراجعتها مراجعة عقلانية ومدروسة وفق الأساليب العلمية أو ما يطلق عليه أحيانا «بالابستليمولوجيا» وهي نمطية التغيير وفق مراجعة دقيقة لما يراد تغييره، ولكن بتجرد تام من العواطف والهوى، وانغماس كلي في المعرفة من أجل الوصل للهدف المنشود. وقد يحتاج الفرد لتغيير تطبيق نظريتي عالم النفس «بياجيه» في التعامل مع المفاهيم الجديدة وفق قانوني «الامتزاج» أو «التكييف».

ولقد طرأت على مجتمعنا في هذه الأيام بوادر تغيير متميزة، بها سيصبح مجتمعا منتجا، وسينتقل من مجتمع كبلته آثار التفسيرات الخاطئة للنصوص الشرعية إلى مجتمع منطلق وفق ثوابت تحده من حرية تضر به في الدنيا والآخرة، وقاطرة التغيير مستمرة في التحرك وبشكل ملحوظ ولحركتها أثر مجتمعي بالغ الأثر يدل على مدى وعي المجتمع في بعض الأحيان بمفهوم التغيير، ويعكس أحيانا مدى تقهقر بعض الأفراد ونكوصهم عن التغيير كونه العدو الأزلي. لكن من أهم ما في هذه التغييرات الطارئة التي يناكف كثير من الناس ضدها، أنها لم تفرض على المجتمع فرضا، بل هي من الأمور التي يحتاجها المجتمع، فحينما أقرت الدولة – حماها الله – قانون قيادة المرأة، لم تجعله أمرا جبريا وإنما سنة مباحة تريح فاعلها ولا يجرم تاركها، فليس هناك أدنى حيز للتذمر من قبل المجتمع حول أي تغيير طالما أنه ليس فيه أدنى تعسف عليك. لعل التذمر هنا هو نتيجة الغيرة من أن يجد المجتمع قد تقبل الأمر وهو لا يزال يقبع في فكر الجاهلية. وحينما أقرت هيئة الترفيه إنشاء دور للسينما في السعودية امتعضت بعض الوجوه، وفي الوقت نفسه ظهر تعطش من قبل الكثيرين أطالوا الانتظار لمثل هذه اللحظة. إن قافلة التغيير مستمرة بإذن الله ووفق خطوات ثابتة، لكن أن يغير ما في عقول البشرية بين عشية وضحاها ليس بالأمر السهل على الإطلاق. من يتصفح أوروبا قبل انطلاق السفن الإسبانية تجاه الهند، يعلم علم اليقين الجهل الذي كانت تقبع فيه تلك الأمم، ولم ينهض الغرب إلا بعد عودة السفن بالتوابل والفكر. فأين أوروبا الآن؟ والحال كذلك في مجتمعنا، موجة التغيير ستجلب لنا تنويرا جديدا وجيلا واعيا، يحكمه قانون الفكر والعلم والبحث عن المعرفة.

أخيرا هناك أمر مهم للطرح وهو أن الكثيرين لم يدركوا بعد أن هناك شعرة رفيعة بين التغيير والانحلال، فالتغيير سنة كونية وليس انحلالا أخلاقيا كما يعتقد الكثيرون.