فيصل الشمري

إرث الدولة العثمانية في العالم العربي

الخميس - 28 ديسمبر 2017

Thu - 28 Dec 2017

أي ناقد للتاريخ يعلم أن الإمبراطورية العثمانية إرث كبير، ولكن على الرغم من ترحم بعض العرب على الدولة العثمانية والمديح المبالغ لها والذي يدفع بعض أصحاب التيار الإسلامي أو الإسلام السياسي إلى الحلم بعودة ما أسموه الخلافة الإسلامية، يناقش أصحاب تيار الإسلام السياسي أن انهيارها أثر على الحالة الإسلامية بشكل كبير.

لن أخوض في إيجابيات الإمبراطورية في مقياس الدول، لكن سوف أكتب عن تأثيرها السلبي على العالم العربي خلال آخر مئة عام من عمر الإمبراطورية، لأن التأثير السلبي على العالم العربي أكبر من أي إيجابيات.

ازدادت حدة هذا التوجه مع تصاعد النفوذ التركي وبالأخص نفوذ حزب العدالة والتنمية بقيادة إردوغان، حيث يعتبر أصحاب هذا الفكر أن المناطق العربية إرث للدولة العثمانية، وهذه مغالطة لواقع تاريخ العالمين العربي والإسلامي.

توسع العثمانيون في العالم العربي بدون أي مقاومة تذكر بشعار الخلافة الإسلامية التي تبشر بخلافة جديدة بعد فترة حكم المماليك. وعلى الرغم من الصعوبات التي كانت تواجه العالم العربي إلا أنه كان متقدما علميا وثقافيا واقتصاديا، ولكن عندما أصبح تحت سيطرة السلطة العثمانية ظهرت العديد من المشاكل، حيث ظهر التميز العرقي، ومنع العرب من تقلد أي مناصب قيادية واقتصر دور العربي على خدمة السلطان أو يكون جنديا في جيشه أو الاستفادة من الأقطار العربية اقتصاديا.

ألزم العثمانيون المواطنين والتجار بالضرائب التي تدفع للسلطان والتي زادت معدل الفقر بشكل كبير. وكذلك اتجهوا لتجهيل الوطن العربي، حيث أغلقوا الحدود بشكل كامل ومنعوا دخول العلوم. فتحول العرب من ناسخين للكتب ومصدرين لها إلى جاهلين حتى في تاريخهم، ومن المفارقات العجيبة منع الدولة العثمانية دخول الطابعة للأقطار العربية لأن العلوم كانت محصورة في بلاط السلطان والنخبة، واتجهوا إلى قتل ومحاكمة العلماء العرب، مما أدى إلى إنشاء حقبة ظلام فكري عند عامة العرب.

فشل الدولة العثمانية الاقتصادي سبب رئيسي لحقبة الاستعمار كونها منحت بعض الدول الغربية (بريطانيا، البرتغال، فرنسا، ألمانيا) امتيازات في الأراضي العربية بحثا عن المال، ومن هذه الامتيازات:

• الدينية: مثل إعطاء الحق لفرنسا لحماية المسيحيين الكاثوليك عام 1535، كذلك لبريطانيا بفتح قنصلية بفلسطين ورعاية اليهود في 1838.

• الاقتصادية: مثل صيد المرجان في الساحل الشرقي للجزائر لفرنسا وامتياز سكة حديد برلين بغداد في 1889.

• السياسية: وتشمل إقامة قنصليات محاكم مسيحية يقاضى فيها الأجانب دون العودة إلى المحاكم المحلية.

• العسكرية: تشمل استعمال الموانئ للسفن الحربية ومرورها عبر المضائق والقيام بمناورات عسكرية، إقامة مصانع لتطوير الأسلحة، معاهدة لندن 1840 بين الدولة العثمانية و4 دول أوروبية (روسيا، بروسيا، بريطانيا، النمسا) وهي عبارة عن معاهدة حلف دفاعي ضد الثائر محمد علي ثم انضمت فرنسا سنة 1841 إلى المعاهدة.

بذلك أصبحت المضائق العثمانية تحت تصرف جيوش دول أخرى، فتراجعت سيادة الدولة العثمانية على الأقطار العربية، وقد عانت البلاد العربية من شر الامتيازات كثيرا، خاصة في فلسطين وسوريا ولبنان، وما عاناه العالم العربي يتمثل في:

التجار

في منتصف القرن الـ19 كان التاجر الأجنبي يدفع 3.5 % ضريبة على بضاعته، ويدفع التاجر المحلي الوطني 12 %.

فلسطين

أساء اليهود استعمال الامتيازات التي كانت نواة للحركة الصهيونية في استقطاب اليهود في ظل حماية بريطانية. وأدت الامتيازات المعطاة لبريطانيا بإيعاز من الحركة الصهيونية إلى تحريض اليهود ودفعهم إلى فلسطين وتشكيلهم عصابات الميليشيات العسكرية للسيطرة تدريجيا عليها، حيث بلغ عدد اليهود المهاجرين من أوروبا في فلسطين سنة 1929 نحو 150 ألف يهودي.

جرائم الدولة العثمانية في العالم العربي كبيرة ولا تقل عما حدث من مجازر ضد الأرمن، لكن العقل العربي عاطفي إذا وصف الحالة العثمانية (بالخلافة) يتناسى العرب ما جرى لهم.

مصر 1517

يقول محمد ابن إياس في كتابه «بدائع الزهور في وقائع الدهور» «إن ابن عثمان انتهك حرمة مصر وما خرج منها حتى غنم أموالها وقتل أبطالها ويتم أطفالها وأسر رجالها وبدد أحوالها»، أكثر من 50 ألف قتيل مصري.

لبنان 1914 – 1918

يقدر عدد ضحايا الجوع في جبل لبنان في عام 1917 بـ250 ألف نسمة من أصل 400 ألف، وهو العدد الإجمالي للسكان. حصار بري فرضه العثمانيون على كامل جبل لبنان لمنع إدخال القمح من البقاع وسوريا، وفي المقابل قاموا بمصادرة القمح من البيوت لإطعام جيوشهم، قال جبران خليل جبران عن الحصار «ماتوا صامتين لأن آذان البشرية قد أغلقت دون صراخهم، ماتوا لأنهم لم يحبوا أعداءهم كالجبناء، ولم يكرهوا محبيهم، ماتوا لأنهم لم يكونوا مجرمين، ماتوا لأنهم لم يظلموا الظالمين، ماتوا لأنهم كانوا مسالمين، ماتوا جوعا في الأرض التي تدر عسلا.

سوريا 1914

اقتحم الجنود العثمانيون مدينة دير الزور وقتلوا الرجال والنساء والأطفال وارتكبوا أبشع الجرائم ومن أهم المجازر المنضوية تحت اسم «مذبحة سيفو»، بين عامي 1914 و1923، مجزرة ديار بكر ومجزرة طور عابدين ومجزرة دير الزور.

نجد 1233هـ

ارتكب إبراهيم باشا جرائم بشعة في حق الأمراء والعلماء والكبراء وعامة الناس، ثم عاد إلى مصر مدمرا في طريقه كل ما قابله من قلاع وحصون، وترك في الدرعية أحد قادته حسين بك، والذي طلب من جميع أهل الدرعية الحضور ليكتب لهم خطابات للعيش في أي جهة يرغبون، فحضروا إليه «ومن كان هاربا» بعد إعطائهم الأمان، فلما اجتمعوا لديه قتلهم جميعا.

المدينة المنورة 1915

فخري باشا وجريمة «سفر برلك»، وكارثة التهجير الجماعي والقسري التي طبقتها الدولة العثمانية في حق الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، لتخلف خلال خمسة أعوام مدينة منكوبة، غير عمليات القتل الممنهج للعرب.

الإمبراطورية العثمانية حالها كحال الإمبراطوريات في حقبتها الزمنية، إمبراطورية توسعية استفادت من معطيات جيرانها لخدمة نفسها، إطلاق حالة الخلافة عليها من حركات الإسلام السياسي، أمثال الإخوان المسلمين، والحركات الأصولية، أمثال القاعدة، هو عملية تزييف للتاريخ وقلب للحقائق في محاولة لدغدغة مشاعر الجماهير العربية. الشواهد عديدة على إجرام الدولة العثمانية في حق العرب من تهجير إلى مجازر قتل جماعية وسرقة خيرات الأقطار العربية وفشل سياسي عثماني، الإمبراطورية العثمانية لم تكن يوما حالة خلافة.