مرزوق تنباك

ما القيمة المضافة بعد اليوم؟

الثلاثاء - 26 ديسمبر 2017

Tue - 26 Dec 2017

تلقيت مثل غيري عشرات الرسائل من البنوك والمؤسسات المالية وغيرها من الإدارات ذات الاختصاص، تخبرني بتطبيق القيمة المضافة بدءا من الأول من شهر يناير القادم، وأنني وغيري سندفع خمسة بالمئة زيادة على كل شيء نشتريه أو نتعامل به، وهذه القيمة المضافة أترك تفاصيلها الاقتصادية ومنافعها ومضارها ولماذا فرضت وكيف ذلك، ومن سيستفيد منها ومن سيكون ضحية لها، أترك كل ذلك لأهل التخصص في الاقتصاد، ولرجال المال والأعمال، فهم أولى بالحديث مني، مع أن الجدل قائم والنقاش مستمر ممن يعلم شيئا عن فنيات الضرائب وآلياتها وممن لا يعلم شيئا.

هذه أول مرة يطالب الناس بالدفع للشأن العام، وكانت الأسئلة مهمة لماذا القيمة المضافة، وما هي، وما الفائدة من أخذها أو تركها، وأسئلة كثيرة حولها يتحدث عنها أولو العلم والمعرفة بمصارف المال وغاياته وتحصيله ووجوه فوائده التي يجهلها أكثرنا، وإن كان الحديث عنها مشروعا بعد أن عرفنا أنها تلامس جيوبنا وتضيف علينا ولا تضيف لنا.

أما القيمة المضافة التي نرجو أن تتحقق منها فهي قيمة أهم بكثير من الجانب المادي البحت، تلك هي القيمة التي ستغير نظرتنا إلى المال وترشيد الإنفاق، وحساب الداخل والخارج، وتعودنا على التعامل الطبيعي مع الأشياء والحاجات بحجمها وطبيعة التعامل معها، القيمة التي أظن أن المستقبل سيضيفها هي سلوكية في الدرجة الأولى وتربوية وأخلاقية أيضا، أو هي تعديل للسلوك الجائر الذي سرنا عليه منذ سني الطفرات المالية الكبيرة التي عشناها فيما مضى من أيام الرخاء والوفرة التي استمرت أكثر من أربعين عاما، كانت السماء تمطر ذهبا، أو هكذا ظن الناس، ولهذا توسعت بعض الجيوب وامتلأت وفاضت بل أصبح بعضها جيوبا خرقاء لا تمسك شيئا ولا تفكر في غير الجمع، ونسي الناس ما تخفيه الأيام وما يحتاجه الترشيد والتقنين، ولم يعملوا بالمثل المشهور الذي يقول (احفظ قرشك الأبيض ليومك الأسود)، استوى في الإسراف الغني والفقير والكبير والصغير، حتى أحدث الناس مفردات كثيرة شاعت في اللغة الشعبية تنتقد ذلك السلوك المترهل والمبالغة في صور من البذخ غير المشروع في المناسبات الخاصة والعامة، وتحذر منه في التصريح أحيانا وفي التلميح أحيانا أخرى، ومما يترتب عليه من تعاملات غير محسوبة العواقب، لا سيما عندما يتعود الناس على التبذير والتساهل في جمع المال وعدم الاكتراث في إنفاقه، وتوسع مجالات الصرف، وعدم الاقتصاد في كل شيء.

القيمة المضافة التي نريدها ونريد أن يتعلمها جيلنا القادم هي التربية التي ستتربى عليها الناشئة، وتتعلم بأن للمال وجوه تحصيل، وطرق اكتساب مشروع وله قيمته ومصارف إنفاقه، وأن المال صنو النفس واحترامه وصرفه في وجوه الصرف الصحيح هو ما سنتعلمه، حتى أولئك الذين يملكون الكثير منه أو يملكون ما يزيد عن حاجاتهم سيعرفون للمال معنى غير البهرجة والتبذير والتفاخر، وسيعرف الناس أن مفهوم الرعاية التامة لم يعد من المعول عليها، ولا يمكن أن يعتمد الشباب على ما كان قد تعودت عليه الأجيال الماضية.

القيمة المضافة بعد اليوم هي سواعد الشباب وتعليمهم ورفع قدراتهم وتفجير ملكاتهم الإبداعية حين يعرفون الطريق الواسعة للإنتاج، والسعي الجاد للعمل المثمر والتنافس في البحث عن فرص الحياة الجميلة المنتجة، حينئذ سيدفعون القيمة المضافة وقيمة الدخل ويدركون أهمية تنمية المال ووجوه إنفاقه.