عبدالله الجنيد

الطوق الأفريقي

الثلاثاء - 26 ديسمبر 2017

Tue - 26 Dec 2017

هل ستنجح قطر وتركيا عبر الجولتين المتزامنتين لأفريقيا في استعادة نفوذهما المتراجع في شمال وشرق أفريقيا، أم أن هدف تلك الجولة هو التشويش على القمة السعودية الأفريقية المرتقبة في الرياض مطلع العام القادم. وكيف يجب أن نقرأ إعطاء السودان جزيرة سواكن لتركيا في البحر الأحمر دون تحديد للفترة الزمنية لذلك العقد وتأثيرات ذلك على العلاقات السعودية السودانية. يأتي كل ذلك وصوت خطى جنود التحالف لإعادة الشرعية لليمن باتت تسمع في صنعاء. فالحليفان القطري والتركي يدركان استحالة احتواء ما حققته السعودية والإمارات من تمدد على ضفتي باب المندب الآن، وأن القرن الأفريقي هو البوابة المباشرة لوسط أفريقيا الحيوي في استراتيجيتهما الأفريقية المشتركة لأفريقيا بعد التوقيع على وثيقة التعاون الاستراتيجي والأقرب لأن تكون اللبنة الأولى لإعلان الاتحاد السياسي. أضف إلى ذلك أن كليهما بات شريكا استراتيجيا في تأمين الاستقرار ومحاربة الإرهاب في أفريقيا الفرنكوفونية بالاشتراك مع فرنسا.

يبقى السودان حالة التجاذب الخاص بين المعسكرين، والرئيس البشير يدرك أنها الفرصة المثلى في توظيف التباينات لخدمة رؤيته الخاصة ولو على حساب السودان مستقبلا، إلا أن كل ذلك قد يكون قابلا للتغير خلال القمة الأفريقية في الرياض، خصوصا في حال قرر بعض حلفاء المملكة العربية السعودية المشاركة فيها ولو بصفة مراقبين مثل اليابان والاتحاد الأوروبي.

فمفاضلة ما يمكن أن يقدمه مثل ذلك الحلف بالمقارنة مع ما تملك أن تقدمه تركيا وقطر مجتمعين يعد مغامرة كبرى، خصوصا بعد مراجعة مغامراتهما العبثية في دعم تيارات الإسلام السياسي في شمال وشرق وغرب أفريقيا. وقد سبق للناطق العسكري باسم الجيش الوطني الليبي العقيد أحمد المسماري أن اتهم السودان مباشرة (ودولا أخرى هي قطر وإيران) بتوفيرها عبر أراضيها ممرات آمنة للسلاح إلى جنوب وغرب ليبيا. فسياسيا، الشمال الأفريقي ينتقل تدريجيا إلى حالة الاستقرار بعد تراجع حدة الصراع في ليبيا لما يمثله من احتواء لأخطار ذلك أمنيا على محيطها الأفريقي.

السياسات التركية القطرية المستقلة منها أو بالاشتراك مع شركاء آخرين من آسيا وأوروبا في أفريقيا كانت ولا تزال غير داعمة للاستقرار فيها. لذلك سوف تتعذر القراءة الموضوعية للحالة السودانية الخاصة في ضوء العلاقات السودانية التركية الجديدة، خصوصا بعد توقيعهما برتوكولا للتعاون الاستراتيجي والذي توج بإعطاء تركيا حق الإدارة والتطوير والانتفاع بجزيرة سواكن المطلة على الحجاز في البحر الأحمر. كذلك هو الحال من اجتماع قادة الأركان لكل من السودان وتركيا وقطر في الخرطوم على هامش زيارة الرئيس إردوغان للسودان. هل جاء كل ذلك نتيجة امتعاض السودان من حياد السعودية من قضية مثلث حلايب المتنازع عليه بين مصر والسودان، إم إن ذلك جاء نتيجة لإعادة تمركز السودان سياسيا ضمن تحولات أفريقية كبرى أو أن البشير يبحث عن ضامن جديد لنظامه السياسي.

قراءة جدول الجولة الأفريقية للرئيس إردوغان والتي ستشمل تشاد وتونس، وكليهما بالإضافة للسودان تمثل دول الطوق لليبيا ومصر جنوبا وغربا، وكليهما يمثل قنوات حيوية في الاتجار بالسلاح والبشر. وقرار السودان الآن العودة لحضن الائتلاف التركي الإيراني الصيني بتمويل قطري ينقل الخرطوم من موقع الحليف إلى مربع آخر لن يخدم المصالح الاستراتيجية السودانية، ناهيك عما قد تقرأه واشنطن في هذا التقارب المفاجئ، مما قد يؤجل رفع ما تبقى من عقوبات على الخرطوم. خسارة السودان لكل من الرياض وواشنطن عبر سياسة التقارب المفاجئ مع حلفاء يمثلون مجتمعين تهديدا مباشرا للأمن القومي السعودي العربي والأفريقي مغامرة كبرى إن لم تأت في توقيت مريب جدا، ومن سوء التقدير افتراض قبول الرياض بكل ذلك.

@aj_jobs