فاتن محمد حسين

نحن والقدس.. القضية والتاريخ

الاحد - 24 ديسمبر 2017

Sun - 24 Dec 2017

لقد كان لخطبتي الجمعة، من المسجد الحرام التي قدمها فضيلة الشيخ صالح آل طالب، ومن المسجد النبوي الشريف التي قدمها فضيلة الشيخ حسين آل الشيخ بتاريخ 27/‏3/‏1439 صدى إعلامي واسع، فعلقت عليهما قنوات فضائية عالمية بأنهما خارطة طريق لعودة الأمة لجادة الصواب لإنقاذ القدس والمسجد الأقصى من براثن اليهود الغاصبين.

فقد أكد كلاهما على أهمية دور المملكة العربية السعودية في دعم (قضية القدس) على مر العصور التاريخية، وسعيها الحثيث ليحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه التاريخية كاملة، فلا مزايدة ولا مكابرة على جهود هذه البلاد إلا من جاهل بالتاريخ والحقائق، أو جاحد أعماه الحقد، أو متخبط ومشكك.

وقد دعم هذا الرأي ما استعرضته دارة الملك عبدالعزيز في الرياض - عبر الصحف المحلية - من مواقف لملوك هذه الدولة من القضية الفلسطينية منذ عهد الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه- حتى عهد الملك سلمان – حفظه الله - حيث المعونات والدعم للفلسطينيين على المستويين الرسمي والشعبي، كل ذلك يظهر أهمية دور المملكة في دعم قضية القدس والمسجد الأقصى.

وهذا الدعم هو عقيدة مرتبطة بنا كمسلمين، فالقدس هي القضية الكبرى التي تعيش في أعماق كل مسلم، وهي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسوله الكريم، ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد وذكر منها المسجد الأقصى، فهذه الحقائق جعلت من القضية ارتباطا عقديا إسلاميا لا يمكن أن يمحا من ذاكرة المسلم.

ومن عقيدتنا أيضا كشعوب مسلمة أننا أولى من اليهود بالمسجد الأقصى حتى مع الزعم بوجود هيكل سليمان، فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما علم أن اليهود يصومون عاشوراء وقالوا له إن ذلك يوم نجى الله فيه موسى، قال: نحن أحق بموسى منهم، لئن عشت للقابل لأصومن يوما قبله أو بعده. بل إن بيت المقدس، كما في الروايات التاريخية، هو سكن الأنبياء جميعهم، وسميت بالأرض المقدسة لأنها تطهرت من الشرك، وبها معجزات الأنبياء جميعا، بل كلنا يعلم أن اليهود هم من غدر بعيسى عليه السلام وأرادوا قتله وظنوا أنهم قتلوه فصلبوا شبيهه ولكن رفعه الله إليه، فهذه عقيدتنا وهذا هو قرآننا فهل نتخلى عن ذلك كله؟!

أعود لخطبتي الجمعة لفضيلة الشيخين آل طالب وآل الشيخ عن القدس، فقد أكدا على أن احتلال القدس لن ينتج إلا مزيدا من الكراهية وسيزيد من وتيرة العنف واستنزاف الأموال والجهود والأرواح بلا طائل، وأن القدس هي قضية المسلمين الأولى وأنها كانت تستجيش ولاءات المسلمين لبعضهم، وتجمع كلمتهم، وتوحد صفوفهم، وهي عنوان تلاحمهم وترابطهم ومحل اتفاقهم ولا يجوز أن تكون مثارا لتبادل الاتهامات، وتكريس الخلافات، ولا أن تستغل لإسقاطات وتصفية حسابات.

ويحضرني هنا قول الشاعر:

كونوا جميعا يا بني إذا اعترى

خطب ولا تتفرقوا أفرادا

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا

وإذا افترقن تكسرت آحادا

بل لم ينس الخطيبان دور الفلسطينيين، وسكان بيت المقدس، خصوصا الذين هم في أرض الرباط، ودفاعهم المستميت عن القدس وهم يقابلون العدة والعتاد والطغيان، سلاحهم في ذلك الحجارة والحناجر، ولمدة 70 عاما وهم يتعرضون للذبح والسجون والتنكيل والمذابح والتهجير، فما زادتهم تلك التجاوزات إلا ثباتا على قضيتهم. وهذه حقيقة نشاهدها منذ كنا أطفالا وتتكرر المشاهد كل يوم وللأسف وكأننا أمام مشهد تمثيلي، فقد تبلدت مشاعرنا وعواطفنا وفترت عزائمنا، واعتدنا – للأسف - على تلك المشاهد!

وهناك حقيقة ذكرت في الخطبتين ولا بد أن يدركها كل مسلم، وهي أن عودة القدس لا تكون إلا حينما يعود المسلمون إلى دينهم ويتمسكون بالقرآن والسنة ودين الله الخالد.

ومن منطلق حفاظ المملكة على دورها القيادي للعالم الإسلامي، فهي في أقدس بقعة في الأرض وبها شعائر المسلمين، وقبلتهم، ومسجد رسوله الشريف ويزورها كل عام الملايين من المسلمين، كل هذه المعطيات وغيرها كثير هي مؤهلات الدولة السعودية لقيادة العالم الإسلامي ودورها في المحافظة على المقدسات الإسلامية، خاصة القدس والمسجد الأقصى، وها هو سلمان الخير بالرغم من كل الأصوات النشاز، يجدد التأكيد على دور ومواقف المملكة الثابتة تجاه حقوق الشعب الفلسطيني وقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وذلك حينما زاره رئيس الدولة الفلسطينية محمود عباس مؤخرا. هكذا هم الكبار يترفعون عن الرد على السفهاء لأن مبادئهم وقضيتهم أكبر من الرد عليهم، فما يطرحه الغوغائيون والأوباش من الجهلة بالتاريخ والحقائق ومن أصحاب الأقلام المستأجرة عن ضعف دور المملكة في القضية الفلسطينية هم لا يزيدون القضية إلا ضعفا وتعقيدا. ويكفينا فخرا بأننا من يقف إلى جوار الحق الإسلامي دائما وفي أحلك المواقف، وبدون صخب إعلامي وبهرجة كما ينتهج ذلك البعض.

@Fatinhussain