خضر عطاف المعيدي

نصيحة لا تتزوج طبيبة أو ممرضة!

الخميس - 21 ديسمبر 2017

Thu - 21 Dec 2017

ومن يكن الغراب له دليل

يمر به على جيف الكلاب

تتعجب من مجتمع يدعوك للعلم ونيل أعلى الدرجات العلمية، وللتسابق في ميدان المعرفة بفكر راق وبأسلوب «اليوتبيان» - أهل المدينة الفاضلة عند الإغريق - لكنه ما يلبث إلا قليلا حتى تتصادم فيه قيم الحضارة والدين مع قيم البداوة والقبيلة، فينبذ العلم ونوره ليعود لتفكير الآباء والأجداد لكي ينصحك بعدم الارتباط بفتاة تمارس الطب أو التمريض وغيرهما من المهن التي يكون طابعها الاختلاط. وما أدراك ما الاختلاط؟ إنه جهنم التي سعرت في مجتمعنا، فمفردة «اختلاط» في عقول أغلب أفراد المجتمع لها ما لها من الدلالة، فإذا ناقشك أحدهم في الاختلاط فإنه يناقشك في الفاحشة ليس إلا، ولا يعلم بأنه لولا الاختلاط بين ذرتي الأكسجين مع ذرة من الهيدروجين لما وجد الماء أصلا، فليس كل اختلاط هو نذير شؤم في المجتمع. تعال أخي العزيز لنقرأ آية صريحة في القرآن تحدثت عن الاختلاط، قوله تعالى (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم، علم الله أنكم ستذكرونهن، ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا).. لست بصدد إصدار فتوى هنا ولكن بصدد آية أبانت وجود المرأة والرجل في السياق المجتمعي، والقرآن مليء بذلك كثيرا، وقصة يوسف مع امرأة العزيز ومع النسوة اللاتي قطعن أيديهن، والأحاديث أكثر من أن تحصى ويمكن للقارئ البحث في ذلك، فلا يزايد على صريح الآية برأي مفسر لأن كلام الله أشد وأوضح من أن يفسر.. ما أردت طرحه هنا ليس استنادا للفقه الشرعي وفقه النوازل بوجه خاص، وإنما من خلال الدلالة المجتمعية وعقدة الأنثى وما أسميه دائما بـ»الأنثوفوبيا» والمركب الجنسي الذي جعلنا لا ننظر للممرضة والطبيبة إلا بنظرة الدونية، وهن اللاتي يطلق عليهن في الغرب (ملائكة الرحمة)، ونطلق عليهن (حبائل الشيطان) وشتان بين الإطلاقين. إنه سوء التصور الفكري الذي ورثناه، وقد قالت المفكرة هيلين فرازير إن التصور «أشبه بالنظر من خلال النظارة فهو لا يمنحك النظر للنظارة نفسها»، نعم إنه التصور الموروث بأن الأنثى إذا التقت بذكر في أي مقر عمل فهو أشبه بصب الزيت على النار، ويبرع المجتمع دائما في تأليف قصص أغرب من الخيال عما يحدث في أماكن الاختلاط، وفي مجتمعي لا يوجد شيء أكثر من الشائعات.

أتمنى من وزارة الصحة منع توظيف الممرضات والطبيبات وجعل الطب مقتصرا على الذكور، لنعلم وقتها أين سيتجه من ينصحك - بعدم الارتباط بطبيبة أو ممرضة - بزوجته أو أخته أو أمه - إذا مرضت؟ الإجابة سهلة.. سيتجه بها لطبيب «ذكر» لأن في شرعه ما يخدمه «الضرورات تبيح المحظورات» فيكشف عنها هذا الطبيب، ونجد هنا باب «فقه سد الذرائع» قد فتح من جديد..!

وفي زماننا، وفي نور العلم، وقانون الجذب، وفيزياء الكم، والقانون المعرفي الثنائي، وتسارع الصوت، وغزو الفضاء، وبرمجيات البعد، وزراعة الخلايا الجذعية، وطفل الأنابيب، واستئجار الأرحام، وغيرها من نور العلم، لا يزال هناك إنسان يستمتع بكل جماليات العلم ويحتار في تقدم البشرية، وآخر قابع في بوتقة تفكير الأجداد فلا ينظر إلى المرأة إلا أنها (العار والشنار) بحجة أنها خلقت من ضلع أعوج، وأن عقلها يعدل نصف عقل الرجل، وغيرها من التهم، واعتذر لجميع السيدات عن تعامل بعض الجاهلين معهن بهذا التفكير السطحي.

الأكثر قراءة