جدة.. أيقونة التحول المعرفي

الأربعاء - 20 ديسمبر 2017

Wed - 20 Dec 2017

منذ القدم ومدينة جدة بتاريخها الزاخر تعتبر مصدرا متنوعا للمعرفة بشتى أنواعها، فموقعها الاستراتيجي أعطاها أهمية بالغة دينيا واقتصاديا وثقافيا. وإذا عدنا تاريخيا لبدايات «جدة» نجد أن لها عمقا أزليا يمتد لما قبل الإسلام. ويذكر بعض المؤرخين والرحالة والمستشرقين أنها برزت كموقع للعيش والاستقرار في الألفية الأولى قبل الميلاد، ويستدل على ذلك بوجود آثار ونقوش وعبارات في وادي بريمان شرق مدينة جدة، إضافة إلى أنها مصدر رزق لخيرات البحر وللصيادين من العصور السابقة.

ومرت مدينة جدة في عصر الإسلام بتغييرات جذرية شكلت من خارطتها الديمجرافية لسكانها والطبجرافية لطبيعة أرضها وموقعها، فمن عهد الخليفة عثمان بن عفان تمت إعادة اكتشافها وتحويلها لميناء بحري، حيث أخذت شكلها كمدينة سكنية وبوابة إسلامية لقاصدي تأدية الشعائر الإسلامية من مستخدمي السفن لقارة أفريقيا وجنوب غرب المملكة من اليمن. والمتأمل لمدينة جدة القديمة يجدها حالة ثقافية متنوعة ابتداء من مبانيها وعمرانها وأزقتها المتمايلة التي ساعدت سكانها في التحصن ليلا ومزاولة الأنشطة التجارية صباحا.

ومرت عروس البحر قديما بعدة موجات وتقلبات سياسية جعلتها صامدة أمام البرتغاليين وهجماتهم، ومن الأخطار والغارات الغربية، واستبسل أهلها أمام هجمات الهولنديين وأطماع الإنجليز، إلى أن وصلت لبر الأمان على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، طيب الله ثراه، حيث استقر وضعها السياسي وشعر أهلها أكثر بالأمان والاطمئنان.

فكل ما سبق من معاناة لأهل جدة شكل لها ولأهلها منعة وخبرة، وأيضا أضاف لثقافتها تنويعا وتلاقحا فكريا بسبب طبيعتها كمرفأ تجاري إسلامي تأتيه سفن الحجيج من كل أصقاع الأرض، فزادت بذلك الحركة التجارية وارتفع عدد زوارها وسكانها من العلماء والمثقفين والمؤرخين وأصحاب الخبرات، رغبة منهم في استكشاف هذه الأرض الخصبة التي جمعت توليفة معرفية من التجمع البشري إلى يومنا هذا.

وكأني أرى التاريخ يمتد أكثر ليخبرنا عن هذا الخليط المعرفي الراقي المتنامي في معرض جدة الدولي للكتاب وللسنة الثالثة على التوالي، حيث نشاهد التنظيم والتقسيم لـ (500) دار نشر و(42) دولة من مختلف دول العالم، تجمعت تحت سقف واحد لتستمر جدة في عطائها المعرفي اللامحدود لمرتاديها وسكانها، وتزدان عرسا وتألقا، أعطى دافعا قويا للزوار والمهتمين بالمعرفة والثقافة.

فمعرض الكتاب شكل نقطة جذب محلية وإقليمية ودولية لأربعة أسباب رئيسة: أولا، الموقع المتميز للمعرض بمنطقة أبحر، والذي انعكس عليه الطابع البحري، كونه في منطقة ساحلية ممتدة ليرتبط شرطيا اسم المعرض بمدينة جدة والبحر من كل عام.

ثانيا، التقاء المعرفة بالترفيه، حيث تستطيع العوائل والشباب وزائرو المعرض بمختلف أعمارهم وتعدد جنسياتهم الاستمتاع بالتسوق المعرفي من قراءة وشراء للكتب والتجول في أرجاء المعرض بكل حرية، إضافة للتنزه قرب الشاطئ وتناول الأكلات والوجبات السريعة والاستمتاع بالجلوس على شاطئ البحر.

ثالثا، تحسن الطقس، حيث تتميز مدينة جدة في شهر ديسمبر باعتدال الجو المائل للبرودة قليلا، مما يدفع الزائرين لقضاء أوقاتهم على البحر قبل أو بعد زيارتهم للمعرض.

رابعا، التنظيم والتحسين المستمر للسنة الثالثة على التوالي من حيث وجود عدد كبير من القائمين على المعرض من الشباب والشابات لإرشاد الزوار، ووجود رجال الأمن لفرض الحماية والسيطرة، ووجود الشاشات الالكترونية المرشدة لدور النشر والكتب، إضافة إلى المرافق العامة من دورات المياه المتوفرة ومصليات الرجال والنساء والدفاع المدني والإسعاف والطوارئ.

فشكرا لمدينة جدة.. وشكرا للقائمين على إنجاح أيقونة التحول المعرفي.