النسيان ليس حلا

الثلاثاء - 19 ديسمبر 2017

Tue - 19 Dec 2017

الكثير من الناس يتمنى أن ينسى بعض الذكريات، خاصة تلك الذكريات المؤلمة التي تزورهم أحيانا في قمة سعادتهم، لتذكرهم بالهفوة التي حصلت أو بالخطأ الذي صدر أو بالشخص الذي دفن! ثم لا يلبث أن تبدأ الابتسامة بالتراجع والعين بالسجود، والتمتمة بالكلام، ومع مجاملة من حوله تعود الابتسامة، ولكنها تأبى أن تكون إلا على وجه شاحب، منتظرا أقرب فرصة للانسحاب منهم، لتكون هذه الزيارة هي الرقم 7 خلال أسبوع من هذه الذكرى. لكن ماذا لو أتيحت لك الفرصة أن تعيش كل يوم بعقل جديد لا يتذكر هذه الذكريات المؤلمة! ماذا لو استطعت أن تفعل كل ما يحلو لك خلال اليوم الحالي ثم استيقظت غدا لتجد أن عقلك تناسى كل شيء؟ حتى هذا المقال! وحتى إن صحيفة مكة هي متعة المعرفة؟ بالمختصر أن تعيش كل يوم بعقل يتم تنظيفه من ذكرى اليوم السابق كل صباح! قد يجد البعض أن هذا العرض مغر! لأن في الحالة الطبيعية للإنسان لا يستطيع أن ينسى ما يريد نسيانه، بالمقابل تبقى ذكرى دائمة الحضور بعكس ما يريد!

نعم هذا عارض من متلازمة تدعى (Amnestic syndrome) متلازمة فقد الذاكرة قصيرة الأمد، والذاكرة القصيرة هي التي تخزن ما يحدث معك لليوم الحالي فقط أو عدة أيام قصيرة قبل أن تحول بعض الأحداث المهمة الى الذاكرة طويلة الأمد وتحذف الباقي، حيث إن المصاب بهذا الجزء من الدماغ وعلى مستويات مختلفة من قوة الإصابة يستطيع تذكر من كان معلما له في الصف الثالث ابتدائي قبل ثلاثين سنة، لكن يجد مشكلة عند محاولة تذكر ما حدث قبل 30 ثانية! أيضا هم مدركون لهويتهم ومن هم، والذكريات التي حدثت قبل الإصابة بالمرض، لكن بعد الإصابة تكون حياتهم في اليوم الحالي فقط، هذا إن لم تكن أقل بحسب حدة الجزء المتعطل في الذاكرة القصيرة. نعم ذكرنا أن هذه الأعراض قد تروق للبعض الذي يرى أن النسيان حل! وقبل أن تحكم لا تغفل الجانب الآخر لهذه الأعراض! نتفق أن الذكريات المؤلمة لن تكون موجودة، لكن المؤلم الحقيقي هنا أن الذكريات الجميلة ستختفي أيضا معها! سيتوقف اكتسابك للتعليم والمهارات المختلفة ولن تستطيع احتواء معلومات جديدة وستكتفي بالمعارف المخزنة قبل المرض، لذلك يستخدم المصاب بهذه المتلازمة عادة كتابة الملاحظات والتقويم والصور ووضعها في مكان واضح لكي تساعده على تذكر اليوم السابق، والمرشحون المحتملون لهذه المتلازمة هم مصابو الدماغ أو متعاطو المخدرات، وأظهرت دراسة حديثة أن هناك جانيا متخفيا وهو الاكتئاب، وغالبا يكون هو أول علامات مرض (الزهايمر).

فالنسيان ليس حلا للذكريات المؤلمة هذا إن استطعت أن تنسى، وتمزيق الذكريات المؤلمة يكون بصنع ذكريات جميلة جديدة، كما قال سبحانه وتعالى:(إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين)، وهي تحمل نفس المبدأ، مشاعر الإنسان في صراع دائم ومن ضمنها الذكريات، والغلبة تكون للأكثر! كلما زاحمت ذكرياتك السلبية بالإيجابية ارتفعت الفرصة في طردها، يكون حضور الذكرى السلبية أو الإيجابية بحسب القوة، كلما صارت لديك ذكرى جميلة تابعة لموقف قوي، تزداد فرصة استدعائها عن الذكرى المؤلمة ذات الموقف الأقل قوة، دحض ذكريات طلاقك المؤلمة عن شريكك السابق هي أن تتزوج ذكرى سعيدة في شريك جديد وإنتاج ذكريات أجمل، ولتحسن اختيارك هذه المرة. ذكرى مؤلمة لفقد أحد أبنائك هي إنجاب ذكرى سعيدة في مولود جديد إن كانت الفرصة متاحة، أو أن تلتمسها من أبنائك الباقين، في كلا الحالتين سيتضح الفرق لديك مع الأيام، وستكتشف بنفسك أن الذكريات المؤلمة تحتضر لديك هذا إن لم تنتحر!

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال