عبدالله الجنيد

العبادي.. أحجية الرجل القوي أو الذكي

الاثنين - 18 ديسمبر 2017

Mon - 18 Dec 2017

عندما أقصي نوري المالكي من منصبه بقرار سياسي في هيئة قرار قضائي، اتفق التحالف الوطني (ائتلاف القوى الشيعية المهيمن على البرلمان العراقي بالتوافق مع الكتلة السنية الممثلة بالإخوان المسلمين) على ترشيح شخصية انتقالية تهيئة لعودة رجل إيران القوي نوري المالكي. وقد تم تكليف حيدر العبادي بعدها في حضور رئيس مجلس النواب سليم الجبوري ورئيس التحالف إبراهيم الجعفري ونائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني.

العبادي الذي ظهر في صورة المهادن أولا أثبت عكس ذلك في تحديه لسادة المعادلة السياسية عبر إلغاء قرار تعيين نواب للرئيس إلى حربه على الفساد، إلا أن الأزمة الكردية قدمت له ما لم تقدمه الحرب على داعش. فمراهنته لم تكن فقط على الموقف الأمريكي غير المساند لاستقلال كردستان، بل قراءته للموقف الجيوسياسي عربيا وخصوصا التماهي السعودي الأمريكي في أكثر من ملف شرق أوسطي. فالسعودية الآن تضطلع بمسؤوليات الدولة المركزية في الحفاظ على الاستقرار واحتواء الأزمات، ووحدة التراب العراقي تقع ضمن ذلك.

الأزمة الكردية ستبقى أهم محطاته السياسية التي قد تكون الفارقة في مساره السياسي عراقيا ودوليا بعدما اعتمد مبدأ إدارة الأزمة عبر الاحتواء بدل معاقبة كردستان. وثانيا إلزامه للقوات العراقية، ومن ضمنها الحشد الشعبي، بالانضباط التام ميدانيا أثناء تنفيذ عملية الانتشار والسيطرة. وبمراجعة مجريات الساعات الأولى لدخول القوات العراقية مدينة كركوك وجدنا أن الوضع هو أقرب لإعادة الانتشار المتفق عليه منه لتطهير المدينة من البشمركة في أداء شبه راقص. العبادي استطاع كذلك تحييد وجود قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في الخطوط الخلفية مع تحقيق الاستفادة المثلى من تواجده فيها. فالانضباط الميداني بقيادة الجيش العراقي فوت على سليماني فرصة توظيف دخول كركوك أو دور الحشد الشعبي فيها سياسيا في خدمة حليف إيران القوي نوري المالكي توطئة لعودته رئيسا للوزراء عبر الانتخابات البرلمانية القادمة.

تركيا وإيران هما الخاسر الأكبر منذ إعلان البارزاني استقلال الإقليم إلى حين إعلان كردستان احترامها قرار المحكمة الاتحادية العليا التي أفتت ببطلانه، وكلتاهما تدرك أن العبادي نجح في توظيف التحول في الموقف الأمريكي بالإضافة لانفتاحه على المملكة العربية السعودية، مما سيضمن له حلفاء كبارا في مواجهة خصومه المدعومين من إيران وتركيا.

يبقى لرئيس الوزراء العبادي ملفان، أولهما فتوى آية الله العظمى السيستاني بإنشاء الحشد الشعبي وإقناعه بضرورة إبطال تلك الفتوى بعد هزيمة داعش (وذلك قد حدث فعلا) رغم خروجها في صيغة تحفظ للحشد قابلية المفاضلة الاستراتيجية شيعيا. فالتفريط بورقة قابلة للتوظيف السياسي بأشكال عدة سيكون صعبا دون استحقاقات، فإن قرار النجف سيمثل تحديا مباشرا لمرجعية قم ووسيلة إقناع فاعلة، لذلك قد يجد العبادي في النجف حليفا في ملف محاربة الفساد، مما قد يمهد لإعادة هيكلة أجهزة الدولة وتحجيم نفوذ خصومه ولو نسبيا قبل الانتخابات القادمة.

قرار الولايات المتحدة البقاء في العراق وسوريا مع الانسحاب النسبي لروسيا من سوريا قد يحفز إيران على إعادة التفكير في سياساتها في العراق وسوريا ولو بشكل نسبي الآن. فإيران تدرك أن تروي الولايات المتحدة في تصنيف الحرس الثوري تنظيما إرهابيا هو لتحفيزها سياسيا إلا أنه قابل للتغير مع نهاية ديسمبر. وما الرسالة التي بعث بها مدير السي آي أيه CIA بمبيو إلى الجنرال سليماني إلا إنذار مسبق بأن قواعد الاشتباك ستتغير إن تعرضت القوات الأمريكية في أي من مسارح العمليات لاعتداء من الحرس الثوري أو من في حكمه من تنظيمات الحشد الشعبي. العبادي سيفضل أن تحسم الولايات المتحدة أمر فصائل الحشد الشعبي التابعة لإيران والتي سبق أن صنفت إرهابية، لكن سيتعين علي العبادي التفاهم مع حليفه السياسي مقتدى الصدر والاتفاق سريعا على برنامج سياسي موحد يكفل لكليهما مكانتهما السياسية في الانتخابات المقبلة.

@aj_jobs