التغلغل الإيراني في قطر

الاحد - 17 ديسمبر 2017

Sun - 17 Dec 2017

المتابع للأسلوب الإيراني في تصدير الثورة الخمينية يلاحظ أن إيران تحاول الدخول إلى الدول «المستهدفة» التي يتفشى فيها عدم الاستقرار، أيا كان عامل عدم الاستقرار، سواء كان العامل الأمني أو السياسي أو العقائدي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، وتتواجد في هذه الدول مستخدمة أسلوب عدم الاستعجال في التغلغل، معتمدة على مهارة النفس الطويل بالعمل على نشر وتسريب وتوطيد منهج الثورة الخمينية اجتماعيا وسياسيا حتى يأخذ صفة «المألوف»، بمعنى أن يتعود عليه المجتمع في الدولة المستهدفة، ويتم ذلك من خلال المراكز الثقافية الإيرانية ومن خلال بعثات «التبشير المذهبي»، كما حصل في (سوريا، الجزائر، قطر، غرب أفريقيا، السودان سابقا).

وكما نعلم أن الثقافة الإيرانية المستمدة من الإرث التاريخي والاجتماعي الفارسي تلعب دورا في ذلك، فالإيرانيون بارعون في طول النفس والصبر، فنجد الإيراني يمكث ما يقارب السنتين لينسج قطعة من السجاد الشيرازي الذي تشتهر به بلاده، لهذا لن نستغرب عندما نجد أن إيران قد مهدت الأرضية المجتمعية في دولة قطر من خلال التبشير المذهبي والثقافي، مستغلة في ذلك الحلم والطموح القطري بأن تكون دولة تلعب أدورا أكبر من حجمها، وأن يكون لها نفوذ يسمح لها بأن تكون قادرة من خلاله على تحقيق هذا الحلم. وبمعنى أكثر وضوحا، إيران تستغل الطموح القطري لأنها من خلاله تصل إلى تفعيل أدوات نشر مبادئ الثورة الخمينية التي عملت على زرعها في المجتمع القطري في وقت سابق، انتظارا للوقت المناسب، وهو ما حصل فعلا بعد الأزمة القطرية مع أشقائها العرب، وخاصة الخليجيين منهم، عندها سمعنا عن إنشاء حسينيات للمذهب الإمامي وأقيمت «طقوس» عاشوراء علنا وتحت أنظار ومسامع السلطة القطرية، وهذه توطئة لما سوف يتبعها من خطوات تغلغل في المجتمع القطري، كما أن دعم مؤسسة الدوحة لبعض الأفلام الإيرانية مثل فيلم (البائع) الذي فاز بالأوسكار عام 2017، وفتح باب التبادل التجاري بين الدولتين، الأمر الذي أدى إلى فتح منفذ تجاري للبضائع والمنتجات الإيرانية واستقدام العديد من الأيدي العاملة الإيرانية، كل ذلك سوف يكون له آثار وانعكاسات أمنية على الوضع القطري في المستقبل.

هذا فضلا عن العلاقات السياسية والعسكرية والأمنية التي نتج عنها توقيع العديد من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية، ومنها الاتفاقيات المتعلقة بالتعاون بين سلاحي البحرية القطري والإيراني، كل ذلك كان نتيجة للسياسة التي انتهجها أمير قطر السابق، فقد حول اتجاه بوصلة السياسة والتعاون القطري نحو الدولة الصفوية، وتبع ذلك العديد من الزيارات والغزل السياسي بين الطرفين تدفعهما أطماعهما، فإيران تجد في ذلك فرصة لشق الصف العربي الخليجي وتحقق ما هو أهم من ذلك، حيث إنها حصلت على موطئ قدم مهم لنشر مبادئ ثورتها، وقطر تستفيد من ذلك التقارب لتحقيق حلمها بأن تصبح دولة إقليمية ذات وزن في المنطقة تدفعها قدرتها الاقتصادية ومؤسساتها الإعلامية، وتبنيها للتنظيمات الإرهابية مثل جماعة الإخوان وجبهة النصرة والقاعدة التي تستخدمها لزعزعة أمن الدول العربية، خاصة الخليجية منها.

إذن، إيران تسعى إلى تثبيت تواجدها وتغلغلها في المجتمع القطري من خلال استغلال الأحلام القطرية حتى تصل إلى مفاصل الدولة القطرية، ولو تم لها ذلك فإنه بكل تأكيد سوف يحصل ما يشابه الحالتين اليمنية واللبنانية. وقد يأتي من يقول إن التركيبة السكانية والاجتماعية القطرية تختلف عما عليه الحال في لبنان واليمن، هنا نقول إنه حسب الإحصاء القطري عام 2013 فإن عدد سكان قطر الأصليين حوالي 300 ألف وعندما نعلم بأن الجالية الإيرانية حوالي 30 ألفا، إضافة إلى ما تقوم به قطر من «عملية» تفريغ سكاني لسكانها الأصليين بعد أزمتها مع جيرانها الخليجيين، وتمثل ذلك في سحب الوثائق القطرية، وتهجير بعضهم وبالتحديد قبيلتي آل مرة والهواجر، أيضا فتحت منافذ القدوم إليها بعد إلغاء الإجراءات التي تحد من الهجرة إلى الدولة، وهي بذلك تستهدف زيادة الهجرة إليها مستقطبة بذلك الجالية الشيعية اللبنانية، فضلا عن المتواجدين على أرضها من أعضاء جماعة الإخوان والحركات الإرهابية الأخرى، عندما نأخذ بعين الاعتبار كل ذلك اعتمادا على المنهجية الفكرية الإيرانية، إضافة إلى الاتفاقيات الأمنية والعسكرية، فإنه يمكن أن ينتج عن ذلك النماذج العراقية واللبنانية واليمنية نفسها. وهنا تجدر الإشارة إلى عملية التجنيس على الهوية التي قامت بها إيران ونقل الكثير من الشيعة الإيرانيين للعراق أثناء الغزو الأمريكي للعراق بهدف الإخلال بالتركيبة السكانية وهو ما حصل بالفعل.

قطر دولة أصيبت بداء «الأنا» المتضخمة التي تذكرنا بحال «قارون» حتى أصبحت لا ترى واقعها وحجمها في محيطها إلا من خلال المال والإعلام المزيف، متعالية ومتجاهلة كثيرا للحقائق التاريخية والاجتماعية والدينية، وبالتالي فلن يكون مستغربا عندما «تخسف» بها هذه الأنا في غياهب وظلمات السياسة الإيرانية، مما يؤدي إلى ابتلاعها وبالتالي خرابها وتدميرها، وتماما كما حصل في لبنان والعراق واليمن، أيضا قد نشاهد على حدود كل من السعودية والإمارات والبحرين تواجدا إيرانيا على الأراضي القطرية، وقد نشاهد أيضا العديد من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة التي تدين بالولاء لإيران بالضبط مثل داعش وميليشيات الحشد الشعبي والحوثيين.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال