جامعة هارفارد لا تجعلك أذكى

الاحد - 17 ديسمبر 2017

Sun - 17 Dec 2017

إن معرفة المغالطات الفكرية تساعدك على التفكير القويم وتعينك على تحليل الأفكار والحجج التي تتعرض لها، فتستطيع بذلك معرفة الحجج القائمة على حقائق رصينة عن تلك التي يراد من خلالها التلاعب بالأفكار وتزييف النتائج.

حين أراد الكاتب المعروف نسيم طالب (مؤلف كتاب البجعة السوداء) خسارة الوزن الزائد واكتساب قوام ممشوق ورشيق، أخذ يفكر عن أفضل رياضة تمنحه ذاك الجسم المنشود. ووجد أن أجسام السباحين هي الأفضل من بين الرياضيين، فلا هي بالأجسام الضخمة كأجسام ممارسي رياضة كمال الأجسام، ولا هي بالنحيلة كأجسام الدراجين. لذا، سجل في ناد للسباحة وبدأ بالتمرين. وبعد فترة أدرك أنه وقع ضحية مغالطة فكرية أطلق عليها لاحقا (مغالطة جسم السباح). إذ اكتشف أن أجسام السباحين لا تبدو بهذه المثالية بسبب التمرين الجاد والمضني. بل هي كذلك لأن السباحين يتم اختيارهم بعناية وبناء على بنيتهم العضلية من البداية، فالجسم المثالي ليس نتيجة، بل عامل يتم على أساسه اختيار السباح.

تطرق إلى هذه المغالطة أيضا المؤلف (رولف دوبيلي) في كتابه «فن التفكير الواضح» وضرب على ذلك مثلا بخريجي جامعة هارفارد (وقد استعرت من كتابته عنوان هذه المقالة بالمناسبة). فالجامعة لا تملك مقررات أو طرق تدريس سحرية تزيد من ذكاء الطالب. إن نبوغ وتميز طلابها يكمن في معايير اختيارهم من البداية، إذ إنها لا تقبل إلا أفضل الطلاب على المستوى العقلي والبدني. فلا تتجاوز نسبة القبول فيها 6% فقط من الطلاب المتقدمين. المنافسة شرسة وشديدة بين الطلاب للحصول على قبول في الجامعة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن من يقدم على قبول في جامعة هارفارد يرى في نفسه قابلية للقبول فيها وسيكون قد اجتاز المتطلبات الأولية الصارمة، سندرك بشكل أكبر شدة المنافسة. طلاب هارفارد هم عصارة عملية اختيار صارمة. ولهذا نرى كثيرا ممن لم يكملوا تعليمهم في أعرق جامعات العالم سواء في هارفارد أو غيرها من الجامعات المرموقة أنشؤوا شركات عالمية ناجحة بعد تركهم للجامعة أو أثناء دراستهم وغير بعضهم وجه العالم كأمثال (بيل جيتس، وستيف جوبز، ومايكل زوكربيرغ وجاك دورسي مؤسس موقع تويتر). لقد كانت بذرة الجد والعزيمة في داخلهم قبل دخولهم إلى الجامعة وكانت شعلة الذكاء متقدة في عقولهم. المعايير الصارمة في القبول خلقت بيئة مليئة بالمبدعين والعباقرة الذين يشد بعضهم بعضا. ومن صداقتهم ولدت كبرى الشركات ورأت النور أهم الاختراعات.

تستغل الحملات التسويقية والإعلانات التجارية هذه المغالطة الفكرية لصالحها وتستخدمها لإقناع الفرد بأن منتجهم سيغير حياتهم ويجعلهم أجمل أو أفضل أو أسعد. بينما هم كانوا دقيقين في اختيار من يظهر في إعلاناتهم. غالبا ما تنطلي هذه الحيلة على الناس ويقبلون على شراء المنتج ظنا منهم أنه سيجعلهم يشبهون من يظهرون في إعلاناتهم ويمكنهم من عيش حياة شبيهة بالحياة الوردية والمثالية التي يرونها في الإعلانات. فالابتسامة الناصعة والبراقة للممثلين في دعاية معجون الأسنان هي قطعا ليست بسبب استخدامهم المنتظم للمعجون الذي يظهر في الإعلان. لقد تم اختيارهم سلفا بناء على معايير محددة تخدم الرسالة التسويقية التي تنوي الشركات إيصالها للناس. وبعدها أتت برامج الحاسب لمعالجة الصور كالفوتوشوب وغيره لتكمل الباقي.

حين سئل الفيلسوف وعالم المنطق البريطاني (بتراند راسل) عن النصائح التي يود تقديمها إلى الأجيال القادمة بناء على ما تعلمه في هذه الحياة، إحدى النصائح التي قالها هي ضرورة النظر بتجرد إلى الحقائق فقط حين دراسة مسألة ما، ثم إلى الوقائع التي تعززها تلك الحقائق. إن الأخذ بهذه النصيحة سيجنبك الوقوع ضحية المغالطات الفكرية العديدة.

ففي المرة القادمة حين تشاهد شخصا يبهرك بمهارة أو سلوك أو مظهر ما.. فاسأل نفسك – وبتجرد - عن السبب الحقيقي والفعلي وراء نجاحه.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال