هبة قاضي

أسبوع غير سعودي

الاحد - 17 ديسمبر 2017

Sun - 17 Dec 2017

حقيقة كان أسبوعا حافلا بالنسبة لي. حضرت فيه أمسية ثقافية بعنوان (صالون ألباتشينو السينمائي) والذي قمنا فيه بمناقشة جميلة بقيادة أحد الشباب الناشطين سينمائيا، عن السينما ودورها في حياتنا وتطوير الوعي والفكر الشخصي لنا، وعن هوليوود وكيف تصور العرب والمسلمين في أفلامها. ومن ثم تمت استضافتي للقاء تلفزيوني في معرض جدة الدولي للكتاب، وسألني المقدم ما الذي تشعرينه بالفرق هنا في جدة، فقلت مازحة (مين يشهد للعروسة)، ومن ثم أجبته بأنني فعلا مؤمنة بأن المعرض في جدة له روحه الخاصة التي يستمدها من هوية جدة كساحل مستضيف، ومعبر لكل عابر سبيل متجه للحرمين الشريفين على مر تاريخنا، حتى تصبغت جدة بهم وتشكلت من أعراقهم، وأفكارهم، وسعيهم، وأحلامهم، لتصبح جدة حاضنة التنوع الفكري، وعلبة تجد فيها من درجات الألوان المختلفة والمبدعة ما لا تجده في أي علبة أخرى.

إن سعادتي بفتح دور السينما في بلادنا ليست نابعة فقط من أننا سنستمتع بتجربة الخروج لمشاهدة الأفلام في معاقلها مع عوائلنا وأصدقائنا. بل لأن ذلك يا سادة يعني بأننا أخيرا سنشارك في صناعة هذا الصرح الضخم من الأثر البشري. أخيرا سيكون لنا مكان في خارطة التأثير، وستجد مواهبنا وأفكارنا ومحتوانا طريقها للخروج إلى النور بأحدث الطرق وأكثرها تأثيرا، لتأتي الأجيال القادمة وتقول (كان العرب والمسلمون موجودين).

نعم لنواجه الواقع، نحن نضمحل أكثر فأكثر. ففكرنا العربي والإسلامي قديم، عتيق، حجرنا عليه حين حجرنا على التجديد، ورفضنا المواكبة والتطوير، وأصررنا على التمسك بالقديم. وظللنا كذلك حتى حين زهدنا عن أن نكون مؤثرين، وأصبحنا فقط متأثرين، جاءتنا الطامة حين أصبحنا مؤذين، وأشيع عنا بأننا وديننا لم نعد هداية للعالمين، بل خطرا على العالمين. وبأننا حين حرمنا تمثيل إرثنا الحضاري، مثله الغرب في أفلامهم بأبشع الصور والخرافات، ومثلت السينما الطائفية شخصياتنا بأسوأ الأشكال. ولنبكي بعد سنوات حين تأتي الأجيال وتستقي معلوماتها من هذه المصادر ولنواجه رب العباد بأننا تحريا لما اعتقدنا أنه رضاه أضعنا ما اؤتمنا عليه. فعلا ما تأخرنا إلا حين حصرنا أنفسنا في قالب أن الدين لذاته وليس لتطوير الحياة.

أدين للكتاب بكل شيء، ففي عصر كان فيه كل شيء أبيض وأسود كان الكتاب هو علبة ألواني التي لونت بها عقلي وواقعي، والكثير من المواقف والأماكن المظلمة التي كادت تحطم أجمل ما في داخلي. ما زلت أذكر، الأوقات الصعبة جدا من حياتي والتي شد الكتاب فيها أزري وساعدني على المرور منها بسلام. لتلك الروايات التي كانت تسرقني إلى عوالم وحيوات أخرى فكأنها زيارة أو سفرة تبهج قلبك وتنسيك نفسك لتعود لبيتك مؤتنس الروح، ومبتهج السريرة، فتهون عليك همومك وربما تحولت إلى محفز للتغيير وداعم للتطوير. لذا عزيزي اقرأ لتكون شخصا غير نفسك ولو لبضع لحظات، فلربما ذلك الانسلاخ عن ذاتك هو أقصى ما تحتاجه لترى ما حولك بحيادية، وبدون تحيزاتك الفكرية السابقة، فترى ما لم تكن تراه، وتسمع ما لم تكن تسمعه، وحين تعود لذاتك تجد تغييرا جميلا كان ينتظرك بصبر لترتقي إليه. لذا هيا ارتدوا ملابسكم واضبطوا ميزانياتكم، وحمسوا أولادكم للتوجه لمعرض جدة الدولي للكتاب. وقد نتقابل هناك حيث سأكون وكتابي (دبس الرمان) موجودين على منصة التوقيع، ومع دار النشر طيلة مدة المعرض.

كان ختام أسبوعي مسكيا بحضوري لأمسية موسيقية رحبانية (وتر) بمدينة الملك عبدالله الاقتصادية، تناغمت فيها بكل حواسي مع ألحان شكلت ذاكرة الطفولة، والتي رافقت الكثير من لحظات حياتنا مشكلة فيها ذكرى، تحولت لمتعة تتجدد وتعود للحياة كلما استمعنا لها. حقيقة، لو أننا كنا في العهد القديم، لوصفت هذا الأسبوع الحافل بأنه أسبوع (غير سعودي) على اعتبار أنني عشته بالتأكيد في أي بقعة أخرى من العالم. ولكن الآن ومع العهد الجديد أقولها الآن وبكل ارتياح وفخر وتطلع بأن أسبوعي الغني بالثقافة والفنون ورؤى المستقبل كان (أسبوعا سعوديا) بامتياز.

hebakadi@