السياسة والتنمية عند القيادة السعودية

الخميس - 14 ديسمبر 2017

Thu - 14 Dec 2017

يشهد العالم من حولنا تطورات متسارعة تلقي بظلالها السالبة على معظم الدول، ولا سيما دول منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من حروب وتوتر أمني، أفرزته بالدرجة الأولى تدخلات إيران السالبة في شؤون تلك الدول، عبر تغذيتها للصراعات الطائفية والنزعات العنصرية، ومحاولتها زعزعة أمن الدول العربية وإشغالها بقضايا انصرافية، لإضعافها ومن ثم التهامها والسيطرة على ثرواتها وإمكاناتها. لذلك عملت طهران على استغلال الأقليات الموجودة في تلك الدول، وركزت على تعبئتها بشعارات مذهبية بائدة، واستغلالها ضد حكوماتها ودولها، وأمدتها لأجل تحقيق تلك الغاية بالسلاح والمال وغير ذلك من أنواع الدعم.

المملكة اهتمت بالتصدي لتلك التجاوزات، انطلاقا من مسؤوليتها كأكبر الدول العربية، والدولة التي ينظر إليها المسلمون حول العالم بشيء من الخصوصية، كونها حاضنة الحرمين الشريفين، وأرض الرسالة الإسلامية التي انطلق منها الوحي والنور ليعم كافة أقطار الأرض، حيث بذلت الكثير من الجهد لنصرة الأشقاء في سوريا، وعملت على حفظ حقوقهم في مواجهة الجلاد بشار الأسد، فاحتضنت الإخوة السوريين الذين اضطروا لمغادرة بلادهم وترك بيوتهم وأملاكهم، وأمدت من اختاروا منهم البقاء بمعسكرات اللاجئين في الدول المجاورة بالدعم والإغاثة، وفتحت لأبنائهم المدارس والمستشفيات. كما تقود السعودية التحالف العربي الذي يتصدى لانقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية في اليمن، بعد أن أرادت منهم إيران تهديد أمن المملكة. وكذلك تسعى الرياض لمساعدة الشعب العراقي على تجاوز الآثار السالبة التي أدت لتدخل طهران في شؤونه، وأدى لانقسام مكوناته إلى فرق وجماعات، بسبب التمييز المذهبي الذي مارسته حكومة نوري المالكي بإيعاز من طهران، وأسفر عن تكوين ميليشيات مسلحة باتت تشكل خطرا على الشعب العراقي ودول الجوار.

رغم كل تلك المسؤوليات إلا أن القيادة السعودية لم تنشغل عن واجب أساسي ظلت تنظر إليه بكثير من القدسية، وهو خدمة هذا الشعب الذي ائتمنها على مصالحه ومستقبل أجياله المقبلة، فكرست كل جهدها لإسعاده، وتحويل أحلامه إلى واقع، فلا يكاد يمر أسبوع دون أن تهل علينا إحدى البشريات التي سرعان ما تتحول إلى حقيقة على أرض الواقع، وهذه البشائر ليست مجرد مشاريع اقتصادية، بل تشمل كذلك الجوانب الاجتماعية والسياسية، وهو ما يؤكد أن بلاد الحرمين موعودة بتحقيق كافة الأهداف التي تصبو إليها، حيث تسير كافة الوزارات والجهات المختصة وفق برنامج واضح المعالم وهو رؤية المملكة 2030، التي أبدعتها عقول سعودية خالصة، وضعت نصب أعينها مصلحة هذه البلاد ومسايرة التطور الذي يشهده العالم من حولنا.تمتاز الرؤية بواقعيتها الشديدة، وتشريحها للوضع الذي نعيشه، وتحديدها للآمال التي نريد تحقيقها، وتركيزها على تحويل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد المعرفة، الذي يهدف للاستفادة من التطورات العلمية والتقدم التكنولوجي، وتحويله إلى منافع اقتصادية، وتوطين التقنية، وتشجيع الشركات العالمية على زيادة الاستثمار الصناعي في المملكة، عبر منحها مزايا تفضيلية، إضافة إلى تشديدها الرئيسي على استنباط مصادر جديدة للدخل، وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل، حتى نتجنب التقلبات الحادة التي يشهدها السوق العالمي في أسعاره، ولا سيما في ظل اتجاه العالم لزيادة الاعتماد على مصادر بديلة للطاقة، تكون صديقة للبيئة، ودعت كذلك إلى الاستغلال الأمثل للموارد، لتحقيق التنمية المستدامة التي تؤدي إلى تحقيق الأهداف المرجوة آنيا، وتضمن تمتع الأجيال المقبلة بتلك الموارد، بدلا عن استنزافها وإهدارها. كما دعت الرؤية إلى تمكين المرأة وزيادة مهارات الشباب السعودي عبر برامج التدريب المتخصصة، ليصبح أكثر كفاءة وقدرة على المنافسة في سوق العمل.

ما سبق يؤكد حقيقة واضحة، وهي أن القيادة الرشيدة من أكبر النعم التي وهبها الله لهذه البلاد التي أنعم عليها بالكثير، فكم من بلاد في العالم تحتوي أراضيها على خيرات وفيرة لكنها لم تعرف طريقها للنهضة والتطور، بسبب افتقارها للقيادة التي تتبع منهج التخطيط السليم والحرص على مصلحة مواطنيها، لذلك فإن الواجب يفرض علينا أن نحول معاني الوفاء والولاء إلى أفعال حقيقية وليس مجرد أمنيات ومشاعر، لا شك أن جميع أبناء هذه البلاد المباركة يحملونها في صدورهم، علينا تجاهل ما يمكن أن يفرقنا، والتركيز على زيادة اللحمة الوطنية، وأن يكون كل منا عاملا لنهضة بلاده، وحفظ مكاسبها، سواء كان موظفا أو رجل أعمال أو طالبا أو معلما يعمل على تربية الأجيال. فإن كان حب الأوطان من قيم الدين، فلا شك أن بلادنا أولى من غيرها وأحق بهذا الحب، لأنها مهد الإسلام وحاضنة مقدساته، والأرض التي تهفو إليها قلوب ما يقارب ملياري شخص في سائر أنحاء الأرض.