المعرفة بين الوهم والنهم

الأربعاء - 13 ديسمبر 2017

Wed - 13 Dec 2017

للمعرفة عدة أنواع باختلاف تخصصاتها وتباين درجاتها وتفاوت من يمتلكونها، فهي النتاج العقلي اللاملموس والتدفق الفكري الذي لا يقف عنده أحد. تتصف بأنها الخبرات البشرية العميقة والمتغيرة. تتراكم وتزيد بشكل مستمر، وتسعى دوما لمن يسعى إليها، وتقف عند من لا يرغب في تنميتها. ليس في الكون من هو العالم الوحيد، ولكن هنالك من يتوق لمعرفة كل شيء جديد، قال تعالى «وفوق كل ذي علم عليم» سورة يوسف الآية (76).

أذكر مقولة لعالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينج، وهي أن «أعظم عدو للمعرفة ليس الجهل، بل وهم المعرفة»، فقد يصاب البعض بـ «وهم المعرفة» فيستشعرون بوصولهم لمرحلة الاكتفاء الذاتي من العلم والخبرة، وأن عليهم إصدار الأحكام دون أي نقاش، فرأي الآخر مردود، وطريق المشاركة معه مسدود، مقتنعين بما لديهم من علم ومعرفة.

فالجهل أحيانا يعتبر ظاهرة صحية إذا ما تم أخذه كبداية للمعرفة، وهو سنة الحياة والشرارة الأولى للتعلم والبحث والتنقيب، فالإنسان إذا أيقن واستبصر بجهله في أمر ما، ذهب واستزاد وتعرف على واقعه ومن حوله، ليتنامى لديه الحس المعرفي، ويتحمس للمزيد من المعلومات عما يجهل.

قديما كان الباحث يبذل قصارى جهده للبحث عن معلومة معينة، فيتكبد وعثاء السفر والترحال، متحملا الأعباء والعناء، فيتولد الفضول وتكثر لديه التساؤلات والنقاشات لسد فراغه الفكري فيستشعر بالنهم المعرفي، حيث يبدأ أمامه اكتمال الصورة الناقصة ليشبع ما يجهله ويتأكد مما ينقله، فكما قيل: العلم يؤتى ولا يأتي.

أما الوهم المعرفي فأجده حالة من الرفض اللاشعوري يصيب صاحبه ويمنعه من البحث والتحري، فهو يؤمن سلفا أن ما لديه من معرفة يكفيه، وما لديه من خبرات يغنيه، وأحيانا يشعر الموهومون معرفيا بعدم الرغبة في الاستشارة أو السؤال عن الجديد أو تبادل الأفكار، فيقعون في إشكالية الوهم.

فسيكولوجية الواهم معرفيا تعكس ما يعانيه من الكبرياء والتعالي على المعرفة، ويزداد الشعور بذلك حينما يبدأ بانتقاص الغير والنيل منهم وتحقيرهم وتهميش قدراتهم، وأحيانا وصفهم بالجهلاء والمتسلقين، فيبدأ بالتحدث عن أبحاثه وقراءاته ودراساته وكم يحمل من درجة علمية من جامعات خارجية في تخصصات مختلفة، ليقنع من يتحدث معه بأنه الأعلم والأعرف في كل المجالات،

في حين نرى في قصة كليم الله موسى كثيرا من العبر والدروس بأنه لا يوجد هناك من هو أعلم من في الأرض على الإطلاق.

فعندما أرسل الله عبدا صالحا من عباده، وهو الخضر عليه السلام، بأنه أكثر علما من موسى عليه السلام آنذاك، فقال في محكم تنزيله «فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما، قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا» سورة الكهف الآية (65-66)، نجد أنها رسالة واضحة من العليم الخبير بأنه لا يوجد من الناس من هو كامل العلم ومستوفيه، بل إننا نعاني من نقص المعرفة وفي حاجة مستمرة بعضنا لبعض، كل فيما يخصه ويتخصص من أجله، فنحن كبشر تربطنا علاقة تكاملية وليست تفاضلية. خلقنا المولى عز وجل شعوبا وقبائل مختلفين لنتعارف ونطرد وهم المعرفة ونزداد من نهم المعرفة.