حلطمة محبط

الاثنين - 11 ديسمبر 2017

Mon - 11 Dec 2017

شعور غريب يراودني هذه الأيام. شعور شكنني في معتقداتي وجعلني أراجع قناعاتي. شعور إحباط لم أشعره من قبل، وأرجو الله ألا يطول. لعل هذا الشعور ناتج مما نعيش هذه الفترة من التحولات والصراعات والتخبطات والأزمات، والتي نسأل الله فيها دائما السلامة.

عشت عمري كله معتقدا أن الأزمات مدعاة لتوحيد صفوفنا وسببا لتقوية لحمتنا وفيها نسعى للدفاع عن بعضنا، إلا أن ما يحدث هذه الأيام من تفتيت أواصر هذه اللحمة وصراعات لا منطق فيها شككني في أن ما ربينا عليه من ثوابت مشتركة، وما حفظنا من قصائد وأشعار الأخوة والوحدة ما هو إلا وهم وخيال تمناه بعضنا فأنشدناها بعواطفنا جاهلين حقيقتنا. فللأسف تجاهلنا الكثير الذي يجمعنا وركزنا على القليل الذي يفرقنا. فيا بؤس حالنا ويا تفاهة فرقتنا.

كما أن في هذا الكم الهائل من التغيرات والتحولات تختلف بعض وجهات النظر وتكثر فيها الآراء، وهذا ما ظننته طبيعيا وصحيا، ولكن ما يحدث من تسفيه وتحقير للآراء المختلفة أمر صدمني وجعلني أتساءل: هل منظومة الأخلاق التي علمني إياها والدي في صغري قضى عليها الزمن وأصبحت من الماضي المزيف؟ وهل أصبح اختلاف الرأي خيانة؟ وهل أصبح السباب والألفاظ النابية التي تتداول في القنوات الرسمية وغير الرسمية هو الكلام الدارج في الأوساط الاجتماعية؟ ألم تكن تسمى سابقا بكلام الشوارع؟ أفلا يحبط من تتغير عليه هذه الثوابت والمفاهيم؟

أما المفكرون وأصحاب الرأي، فلقد عشت حياتي أقتدي بهم لما يملكون من قوة في الحجة وأدب في الطرح ومبادئ ثابتة لا تتغير، وفوق هذا كله تقبلهم للآخرين، ولكن الآن لا أعلم هل ولى المفكرون؟ أم إني تخيلت أنهم مفكرون أصلا؟ أصبحت حججهم التخوين والتخويف والتشكيك، وأما المبادئ التي كانت ثابتة فقد أصبحت متناقضة ومتعارضة، وكأنهم أشخاص استبدلوا بأشخاص آخرين، ليست فقط قناعات تغيرت مع الزمن. فهل أحزن عليهم، أم على نفسي التي ظنت أنهم مفكرون وأصحاب رأي؟

عزيزي القارئ، أعتذر عن القسوة في الطرح وربما المبالغة في شرح الواقع والجهل في التعميم. أعتذر لأني لا أعلم إن كانت هذه الحالة موقتة لوضع نفسي أمر فيه، أم إنه واقع للتو أستوعبه وعلي التعايش معه. أعتذر لأني ولأول مرة لم أبحث عن الفائدة المرجوة من مقالي هذا. كل ما في الأمر أني تركت قلمي يسير ويكتب من غير قيود فأنتج هذه الحلطمة دون تفكير ودون مراجعة. جعلته يعبر عن حالة، وما الكتابة إلا انعكاس لحالة نفسية الكاتب.

قفلة:

رغم ما ينتابني من إحباط إلا أن ما يبقيني حيا ومتماسكا هو أن مدبر هذا الكون وخالقه هو الله سبحانه وتعالى، وإيماني بأن ما نعيش من صراع ما هو إلا ابتلاء منه ليميز الخبيث من الطيب. وأرجو الله أن يكون الطيب هو السائد وهم الأغلبية الصامتة.

RMRasheed@