لماذا نحن للماضي؟

الخميس - 07 ديسمبر 2017

Thu - 07 Dec 2017

كثيرا ما نتخيل الماضي في صور رومانسية، نصفه بالجميل ونتوق إليه ونتمنى عودته؛ نجتمع حول الجد أو الجدة أو والدينا نطلب منهم سرد قصص الماضي وحكاياته، ونتمنى لو كانت لدينا الفرصة لأن نعيش حياتهم؛ نسترجع ذكريات طفولتنا ونتمنى عودتنا لتلك الحياة التي نصفها دائما بالبسيطة ونردد: ألا ليت الزمن يرجع والليالي تعود، يرجع وقتنا الأول وننعم في بساطتنا. على الرغم من أن حياة الماضي مليئة بالصعوبات والأمراض والفقر والعوز وانعدام الخدمات وكثير من أساسيات الحياة إلا أننا ما زلنا نحن إليها ونتمنى عودتها. ليس العرب فقط من يحنون للماضي بل هو أمر شائع عند كل المجتمعات من مختلف الثقافات. يتفق معظم الناس على أن الماضي كان أجمل ويتمنون العودة إليه، ومعظم الناس يشعرون بالحنين للماضي على الأقل مرة في الأسبوع. يعيد العلماء حالة الحنين هذه إلى عدة أسباب، أهمها، أن الشعور بالحنين ناتج عن العاطفة؛ فالناس لديهم عواطف جياشة تجاه الماضي وتجاه ما هو بعيد ولا يمكن الوصول له. ومن أسبابه أيضا، أن الحنين للماضي يحدث كردة فعل لمشاعر سلبية يعيشها الإنسان تجاه لحظات من الحاضر كمحاولة للهروب من الواقع، فالحقيقة أن الإنسان لا يحن لماضيه وإنما يحن لأشياء محددة فيه، فيسترجع اللحظات الجميلة فقط من الماضي في مقابل اللحظات الصعبة التي يعيشها من الحاضر، فمثلا لو كنت متزوجا منذ سنوات قليلة وتقرأ مقالي هذا ستكون قد مرت عليك لحظات شعرت فيها أنك تتمنى لو يعود بك الزمن لتجد الحرية التي كنت تتمتع بها قبل الزواج؛ هنا أنت تقارن الالتزام والمسؤولية والقيود التي تعيشها بعد الزواج بالحرية ومرونة الحركة التي كنت تتمتع بها قبل الزواج، ومن الطبيعي جدا أن تحن لحريتك؛ أو مثلا عندما تحن إلى طفولتك، أنت تحن للحظات جميلة معينة عشتها في طفولتك لا تجدها وأنت كبير، مثلا انعدام المسؤولية، اعتمادك على غيرك ليفعل لك كل شيء، اللعب طوال الوقت، وجود إخوتك وأبناء عمومتك حولك، وقد تفرقوا الآن كل في حال سبيله، أو وجود أشخاص لم يعودوا موجودين الآن بسبب وفاتهم، في حين أن حاضرك لا يتضمن أيا من هذه الأشياء؛ فاشتياقك للماضي هو في الواقع اشتياق لتلك الأشياء واللحظات وأولئك الأشخاص. الحنين بحد ذاته حالة لا مفر منها ولا بأس فيها فكلنا نحن ونحتاج لأن نحن لكن لا يجب أن يكون ارتباطنا هذا بالماضي عائقا أمام تقدمنا في الحياة. يرى الباحثون أن للحنين فوائد، فبرغم أن الإنسان في مرحلة الشباب يكون تواقا أكثر للمستقبل ولتحقيق أهدافه وأحلامه إلا أنه في خضم هذا المشوار الصعب المليء بالعقبات والمخاطر يحن إلى ماضيه البسيط وطفولته الجميلة المليئة بالأمان. أهم فوائد الحنين أنه يمنع الإحباط؛ فبرغم أن الحنين الزائد والارتباط بالماضي ورفض عيش الحاضر هي حالة مرضية إلا أن الحنين المعقول لبعض لحظات الماضي الجميلة يزرع الأمل في نفوسنا بأن المستقبل ربما سيكون أفضل من الحاضر. لا بأس أن نحن للماضي لكن التعلق به وعدم تقبل التغيير الذي يحدث في حياتنا قد يكون لهما أثر سلبي علينا ويعيق تقدمنا. لنتذكر لحظاتنا الجميلة لتكون وقودا ذهنيا لنا يعيننا على المستقبل.