مرزوق تنباك

عبدالله بن سبأ في مسجد الروضة

الثلاثاء - 05 ديسمبر 2017

Tue - 05 Dec 2017

منذ أيام الإسلام الأولى بدأ العجز عن هضم بعض الأعمال التي يقوم بها قوم كانوا على علو شأن أو احترام مكان عند عامة الناس، وهي أعمال غير مقبولة أن تأتي منهم في نظر أتباعهم ومريديهم، فيأبى المتطوعون لتبرير تلك الأعمال إلا نسبتها لغير فاعلها، مرة ينسبونها للجن، وهو الأكثر، كما زعموا في مقتل سعد بن عبادة، ومرة لاختراع أشخاص أغلبهم من صنع الخيال ينسبون الأعمال القبيحة أو الشريرة إليهم.

كان أول هؤلاء الأشخاص وأشهرهم هو عبدالله بن سبأ الذي حمل عليه تاريخنا كل فتن وآثام القرن الأول، وكل الحروب وقتل الخلفاء وتشتت الأمة وقيام الفرق التي ما زالت تعيش بيننا هي من صناعة هذا الشبح المسمى عبدالله بن سبأ، على حد ما زعموا.

والغريب أن ثقافتنا لم تكتف بصناعة هذه الشخصية وتسميتها حتى جعلت لها نسبا وحسبا وأعمالا تقوم بها، أو بالأصح يقوم بها أسلافنا وينسفها أتباعهم على عاتق عبدالله بن سبأ، والسبب أن من قام بتلك الأعمال والحرب والقتل هم رجال فوق مستوى التهمة والشك في المخيال الثقافي، ولا يجوز أو لا يصح في عقول الأتباع أن يقوم هؤلاء الكرام الأفاضل بالأعمال القبيحة المستنكرة إلا بسبب خارجي وعمل يفوق قدرتهم ويفوق تصور الناس عن فضائلهم التي يعترفون بها.

لذلك لا بد أن يكون هناك مؤثر خارجي حولهم من سمتهم الفاضل إلى الأعمال التي يجلهم أتباعهم عن القيام بها، إذن ليكن هذا اليهودي عبدالله بن سبأ هو ذلك المؤثر الخارجي الذي كل عمل قام به المبرؤون في رأينا هو عمله، وما قومنا إلا أدوات حركها المجرم الخبيث ابن السوداء، ففعلوا ما يريد وقاموا بالمهمة التي صورها لهم وهيأهم لارتكابها.

ولم ينته عبدالله بن سبأ كشخصية تاريخية حتى حلت محله الاستخبارات الغربية والمؤامرات الدولية التي تحاك للعرب، فلا يصيبنا شر إلا نسبناه إليهم، وألقينا اللوم عليهم حتى لو أن من قام به رجال من دمنا ولحمنا يعلنون على الملأ، وهم بكامل قواهم العقلية، أنهم هم المسؤولون عن ذلك، آخرها ما كان يوم الجمعة قبل الماضية في مسجد الروضة بالعريش، فما كاد الناس يسمعون ما حدث حتى انبرت نخبة القوم في المجالس وفي وسائل التواصل وفي القنوات تزعم أن ما حصل لا يقوم به غير من جندتهم الاستخبارات الأجنبية، رغم أن القتلة يرفعون أعلامهم السوداء ويهللون ويكبرون وهم يذبحون أهل ملتهم في أقدس بقاع الأرض، وأفضل أيام الأسبوع، لكن أهل المجالس والنوادي والمحللين متأكدون أنهم ينفذون أجندة الاستخبارات الأجنبية ليس إلا.

ثقافتنا العميقة قامت على موروث عريض من تبرئة النفس وتنقية ساحة العربي من الأخطاء وقبائح الأعمال، ولو نظرنا إلى الموروث الجاهلي وحده لعزز هذه المقولة، فالعربي في أنفته المعهودة وعنفوانه لا يعترف بما يراه يحط من مكانته، ولا يقبل ما يقلل من شأنه، ولهذا السبب كان يعز عليه أن يرى أعمالا لا تكون لائقة بكرامته وطهارته ونقاء سريرته، فيأخذه هذا الحال إلى شديد الإنكار والتنصل منها والابتعاد عن أن تنسب إليه، ولم يجد إلا أن يلقي ما أثقله إلى غيره.

قد تظن أن هذه الفقرة الأخيرة مدح للعرب، لا هي مأساة العرب الأبدية التي لم يجدوا لها حلا حتى اليوم، فمن يرتكب حماقات لا يقبلها دين ولا خلق ولا مروءة ثم يجد من يبررها بعمل الاستخبارات والمؤامرات، هذا النوع من الناس لا يفعل ذلك بتقصير منه، بل يحصل بسبب قصور فيه.

Mtenback@