عبدالله المزهر

صواريخ الجزيرة!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 04 ديسمبر 2017

Mon - 04 Dec 2017

والصاروخ كما جاء في تعريفه في بعض المعاجم: قذيفة نارية أسطوانية الشكل مخروطية تقذف إلى مسافات بعيدة بتأثير اندفاع الغازات التي تندفع من أسفل، وفي البعض الآخر وجدت أن معناه هو: سهم ناري له بارود وفتيل، ينطلق في الجو إذا أشعل الفتيل واحترق البارود.

وأصل الكلمة هو الجذر (ص ر خ)، ولا معنى لهذا الجذر في معاجم المتقدمين سوى ما يدل على الصيحة الشديدة عند الفزع أو المصيبة أو الصوت الشديد. والمستصرخ هو الذي يصيح طالبا العون والمساعدة.

ثم أضاف المتأخرون من العامة الكثير من المعاني لهذه الكلمة، فيقال «صاروخ» وصفا لفتاة حسناء، ولم يترك أصحاب المطاعم والمآكل العامة هذا الأمر يمر دون أن يضعوا إضافتهم الخاصة، فأطلقوا اسم «صاروخ» على الشطيرة كبيرة الحجم.

وفي الكلام العامي توصف الكذبة التي لا تتقبلها العقول بأنها «صاروخ». والكذب ـ كما تعلمون ـ مراحل ودرجات، والصاروخ هو أعلاها مرحلة وأكثرها وقاحة وسعة وجه. ويرتكب صانع هذا النوع من الكذبات خطيئتين، الأولى هي الكذب بالطبع، والأخرى هي احتقاره لعقل المتلقي. فهو يطلق الكذبة «الصاروخ» مفترضا أن سامعها مجرد من نعمة العقل، هبة الخالق لبني البشر.

وجل ـ إن لم يكن كل ـ القنوات التلفزيونية تمارس هذا النوع من الرذائل، بل ذهب بعض المتأخرين للقول بأن التلفزيون لم يخترع إلا ليكون وعاء للكذب الذي كان يذهب هدرا لسوء الأوعية.

تقول قناة الجزيرة ـ على سبيل المثال ـ بأن صاروخا قد أطلق من اليمن باتجاه أبوظبي، ثم إن ذلك الصاروخ لم يصل حتى لحظة كتابة هذا المقال، ولعل سوء فهم قد حدث في الأمر، فقد يكون المتلقي لم يستحضر كل معاني هذه الكلمة، لأن الصاروخ قد أطلق بالفعل ولكن من منبر قناة الجزيرة.

وبمناسبة ذكر منبر من لا منبر له، والرأي والرأي الذي يشبهه، فإن الأزمة الخليجية كانت فرصة ذهبية لقناة الجزيرة لتثبت أنها قناة محايدة، فكل القنوات والأشخاص يمكن أن يكيلوا المديح لأنفسهم ويقولوا عنها ما يشاؤون في «أوقات السعة»، لكن الأزمات تحك المعادن،

ولذلك ظهرت قناة الجزيرة في هذه الأزمة بشكل مزر، وسقطت «أسطورة» الحياد والمصداقية والمهنية التي كانت تصنعها وتروجها بين العالمين. هي أولا وأخيرا قناة حكومية موجهة مثل أي قناة أخرى، وزادت على ذلك بأن مذيعيها ومذيعاتها تحولوا إلى مروجين للإشاعات البلهاء على مواقع التواصل، وهذا يبدو عملا إضافيا لتحسين الدخل. وتصديق كذبة الحياد بعد هذه الأزمة سيدل على غباء المتلقي أكثر من دلالته على كذب القناة.

وعلى أي حال..

الكذب سلوك بشري، فعلى حد علمي أن المخلوقات الأخرى لا تكذب، والكاذب يفترض أن يكذب بإتقان، لكن كذب هذا العصر قد أفسده الكذابون الذين لا يحترمون صنعتهم.

@agrni