عبدالله المزهر

الحضارة الثامرية البائدة!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

السبت - 02 ديسمبر 2017

Sat - 02 Dec 2017

يسمع عن قرب افتتاح مرفق عام جديد، تتسع حدقتا عينيه وتبدأ ابتسامة غريبة وغير مفهومة في الارتسام على محياه، يبدو سعيدا يعد الأيام بشوق ولهفة منتظرا يوم الافتتاح. في يوم الافتتاح يخرج قبل الجميع، ربما قبل المسؤولين عن الافتتاح، يرابط في المكان بحب ودون ملل، هو يعتقد أنه يقوم بعمل عظيم، وأن العالم يجب أن يقف احتراما له، يجب أن تتوقف الحروب والصراعات، أن يتصالح المحبون، أن يعود الأحبة الراحلون، أن يبدأ الاحتباس الحراري في التراجع، أن تخضر مؤشرات الأسواق العالمية، كل هذا يجب أن يحدث بالتزامن مع العمل العظيم الذي جند نفسه من أجله.

وتنتهي ساعات الانتظار ويتم الافتتاح، يتجمع الناس ويستغرب أنهم سعداء لأسباب تختلف عن أسبابه، هو يؤمن أنه لا توجد أسباب أخرى للسعادة. وفي اللحظة المناسبة يدخل يده إلى جيبه ويخرجها ممسكة بالقلم الذي أعده للمناسبة، أو بالبخاخ المنتظر، ثم يبدأ في كتابة اسمه وذكريات لحظاته التاريخية على الجدران، حين يتم هذه اللحظة يبدأ منسوب الأدرينالين في الارتفاع، ثم ينتشي ويقرر القيام بالخطوة التالية، سيحطم إنارة أو يكسر بابا، هذا العمل العظيم الذي يقوم به لا يمكن أن يكون مكتملا دون أن يفسد شيئا ما.

الرغبة في التخريب لا تبدو عملا انتقاميا أكثر من كونها هواية، يمارسها بحب وشغف. سيكون يوما سيئا لا يعده من حياته إن مر على مرفق عام ولم تساعده الظروف في أن يضع لمسة الخراب الخاصة به. إن عاد إلى منزله دون أن يفسد شيئا جميلا فستكون ليلته عصيبة مليئة بالإحباط. في أحيان كثيرة ولأنه كائن مثابر لا يكل ولا يمل قد يدفعه إحساسه بالفشل بالنهوض من فراشه والذهاب إلى أقرب جدار يكتب عليه ذكريات ليليته البائسة تلك، ستكون جرعة خفيفة لكنها تفي بالغرض.

حين كتب ثامر اسمه على مرفق عام في جدة، لم يمض على افتتاحه سوى ساعات، ربما كان يفكر أن كتاباته تلك ستكون مثل النقوش التي تركها الفراعنة والإغريق وكافة الحضارات البائدة، سيأتي العلماء بعد آلاف السنين ويدخلون دورة مياه في الواجهة البحرية في جدة، ويحاولون فك الرموز التي أراد ثامر تركها للحضارات اللاحقة، ربما تصور أن تخصصا سيدرس في الجامعات في الأمم اللاحقة لدراسة الآثار «الثامرية».

والذين أفسدوا المرفق الجديد وحطموا ما وقعت عليه أيديهم وهم «يستمتعون» ربما أرادوا أن يجعلوا من تلك المرافق شيئا يشبه «أنف أبي الهول المكسور»، خراب يتهافت البشر على زيارته.

وعلى أي حال..

من المؤكد أن ثامر وبقية الثامرين لا يعلمون أنهم مجرد تافهين أنانيين لم يجدوا قانونا رادعا، ولم يجدوا من يؤمن بعد بأن ما قد يصرف على مراقبة المرافق العامة أقل مما قد يصرف على صيانتها إن لم تراقب.

@agrni