فارس هاني التركي

نتائج الفساد

السبت - 02 ديسمبر 2017

Sat - 02 Dec 2017

بحسب تقارير صندوق النقد الدولي فإن الفساد أصبح رسميا أحد أكبر وأخطر المشاكل التي تواجه العالم أجمع. الفساد الذي يختلف تعريفه حسب الزمان والمكان والأعراف مما يضيف صعوبة أكبر في التعامل معه، ففي العديد من الثقافات تعتبر الإكرامية واجبا في العرف ودليلا على الكرم، بينما في ثقافات أخرى تعتبر نوعا من أنواع الفساد، وقد يجرمها القانون في بعض الدول. وكذلك ينطبق الأمر على الواسطة، ففي بعض الثقافات هي من النخوة والشهامة، بينما ثقافات أخرى تعتبرها أكمل مثال على الفساد. كذلك الأمر في تلقي الهدايا وعمليات السمسرة وغيرها من الأمور التي يختلف تفسيرها حسب الزمان والمكان والثقافة.

عالميا إجمالي تكلفة الفساد سنويا تبلغ 2.6 تريليون دولار أي ما يمثل 5% من إجمالي الناتج العالمي، بينما تكلفة الرشاوى، وهي أحد أبرز أشكال الفساد، تبلغ تريليون دولار سنويا حسب أحد تقارير البنك الدولي.

منظمة الشفافية الدولية تصدر تقريرا سنويا عن الفساد العالمي عرفت فيه الفساد أنه إساءة استعمال السلطة الموكلة لتحقيق مكاسب شخصية، سواء في القضاء أو الصحة أو البناء والإعمار أو السياسة أو أي من القطاعات الحيوية.

حققت أفضل المراكز الدنمارك ونيوزلندا وفنلندا والسويد وسويسرا، فيما حلت الإمارات كأول دولة عربية، والسعودية في المركز 62، بينما شهد القاع وبكل أسف تواجد العراق وليبيا والسودان واليمن والصومال وسوريا. وجود الدول العربية في قاع الترتيب يتماشى مع ما ذكره أمين عام المنظمة العربية لمكافحة الفساد، حيث إنه خلال 50 عاما (1950 - 2000) كلف الفساد العالم العربي 1000 مليار دولار. أموال مسروقة ومنهوبة ذهبت بغير وجه حق لغير مستحقيها تسببت بشكل مباشر في تعطيل التنمية في العالم العربي وتأخره في شتى المجالات وانحدار خطير ومؤلم لمستوى معيشة شعوبه.

من غير المستغرب أن نجد الدول التي يكثر فيها الفساد تفقد مصداقيتها وتقل الاستثمارات الأجنبية فيها وترتفع فيها تكلفة الأعمال بنسبة 15% على الأقل، وينخفض ترتيبها بشكل ملحوظ في مؤشر سهولة البدء بالأعمال، لذلك نجد أن جميع دول العالم تحاول محاربة الفساد، ولكن الجميع أو الأغلب يفشل في ذلك لأن الفساد كالسرطان إذا لم تتمكن من محاربته في البداية وتمكن منك فإنه يصيب جميع الجسد وينخر فيه دون رحمة، فصعوبة محاربة الفساد في أي دولة تكمن في تمكن وسيطرة رموز الفساد على جميع مفاصل الدولة كالقضاء والداخلية والمالية والجمارك والبلدية والإعلام وحتى مجلس النواب ومجلس الشعب، وهذا ما صرح به رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تونس، وأضاف قائلا: لهذا السبب باتت الحرب على الفساد أصعب من الحرب على الإرهاب.

في السعودية الحرب على الفساد بلغت ذروتها عندما بدأت من الأعلى، وذلك باستدعاء 200 مسؤول متهمين بقضايا فساد كبيرة، منهم أمراء ووزراء وأصحاب معالي وسعادة، 1% منهم فقط قدم ما يثبت براءته و95% منهم وافقوا على تسويات وإعادة المبالغ المتهمين فيها، بينما قرر 4% منهم اللجوء للقضاء. رغبة حقيقية

من السعودية في القضاء على الفساد، فقد صرح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن 10% من الإنفاق الحكومي يهدر بسبب الفساد، وأن الملك سلمان أكد أن المملكة لن تستطيع البقاء في مجموعة العشرين G20 كواحدة من أكبر 20 اقتصاد في العالم دون محاربة الفساد.

مصر كذلك تعاني من فساد شديد، فقد ذكر أحد التقارير غير الرسمية أن الفساد في مصر عام 2015 وحده بلغ 600 مليار جنيه أي ما يعادل 80 مليار دولار، وقد تسبب هذا التقرير في جدل كبير أمر بعده الرئيس عبدالفتاح السيسي بتشكيل لجنة للتحقيق، صدر بعدها تقرير رسمي من الجهاز المركزي للمحاسبة يشير إلى أن الفساد يكلف مصر سنويا 200 مليار جنيه وهو ما يعادل 8% من الناتج القومي المصري، وهو ما يعادل كذلك 80% من العجز النقدي لموازنة الدولة.

العراق الذي بلغ دخله من النفط منذ الانسحاب الأمريكي عام 2003 حتى 2016 أكثر من 1000 مليار دولار يعاني كذلك من فساد منقطع النظير، فهيئة النزاهة تتعاطى مع 6 آلاف عقد وهمي بقيمة 227 مليار دولار أمريكي، وهي عقود وهمية استغلت في نهب العراق وثرواته.

الوضع في سوريا لا يقل ألما، ففي فترتي حكم الأسد الأب والابن ضاع ثلث الناتج المحلي لسوريا بسبب الفساد، وضاع على السوريين قرابة 750 مليار دولار أمريكي.

الهند كذلك تواجه وضعا خطيرا في موضوع الفساد، ورغم النمو الاقتصادي الهائل الذي تشهده فإن 50% من تكلفة المشاريع هناك تذهب في رشاوى للحصول على التصاريح والفسوحات، وأشار أحد الاستطلاعات إلى أن 92% من الشعب الهندي إما دفع رشوة أو حصل على رشوة، وهذا ربما يدعم تصريح أحد اقتصاديي صندوق النقد الدولي الذي توقع أن يبلغ الاقتصاد الخفي في الهند 50% من الناتج المحلي المعلن رسميا.

الفساد لا يقتصر على الدول وحكوماتها، وإنما حتى على الشركات والمؤسسات، فشركة Siemens الألمانية دفعت غرامة في عام 2008 بمبلغ 1.6 مليار دولار لتورطها في دفع رشاوى للفوز بعقود مختلفة في العديد من دول العالم.

الفساد لا يعرف دينا ولا مذهبا ولا ملة ولا جنسية، الفساد مرض خبيث قوي جدا، وللأسف قادر على الفتك بأعتى الاقتصادات، وفنزويلا التي تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم دليل حي على ذلك.

محاربة الفساد مهمة صعبة جدا ولا يقدر عليها إلا الأفذاذ، وهي بالتأكيد ليست مهمة مستحيلة، ولكن تحتاج عزيمة وقوة وجرأة وصبرا ورغبة صادقة.

@farooi