عيون الناس ما ترحم!

الجمعة - 01 ديسمبر 2017

Fri - 01 Dec 2017

لماذا نتحاشى أحيانا أن نشارك الآخرين أفراحهم؟ وهل ندمت يوما بعدما فعلت ذلك؟.

«عيون الناس ما ترحم» مقولة أصبحت هاجسا وفوبيا لدى الكثيرين، وتدعوهم إلى عدم إظهار ما لديهم من نعمة وأشياء - تعد في كثير من الأحيان عادية وبسيطة جدا – ولكنها ثقافة القلق والتوجس، إذ أصبح البعض يخاف حتى من إظهار مشاعره وسعادته بما عند الآخرين، أو حتى يتفاعل معهم حينما يتلقى خبرا يختص بهم، فأصابع الاتهام ستوجه إليه مباشرة عند حدوث أي مكروه لا سمح الله.

أحدهم طلب من صديقه أن يرسل له صورة ابنه الذي لم يره، وبعدها بأسبوع اتصل عليه يخبره بأن ابنه مريض من بعد تلك الرسالة المشؤومة! وإحداهن تقول إن ابنة صديقتها ليست جميلة – بل بعيدة كل البعد عن الجمال – ولكن عندما أقبلت علي ومن باب المجاملة قلت: ما شاء الله تبارك الرحمن فسقطت (طاحت) ولم تتألم، فقالت أمها مباشرة: أذكري الله.. العين حق! (على الرغم من قولها تبارك الله)! وتقول أخرى: أعرف بنتا لديها مشكلة في أسنانها، فقالت لي أمها إن ذلك بسبب كثرة إنشادها في المدرسة لأن صوتها جميل! تقول صاحبتنا: فما علمت هل أبكي أم أضحك؟ فما دخل الصوت في الأسنان!

نحن بلا شك لا ننكر بأن العين حق، وتأثيرها على البشر والأشياء لا يستهان به، وهي قدر من أقدار الله عز وجل، وقد دل عليها القرآن والسنة، فقال سبحانه في سورة القلم (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون)، وجاء في الحديث الذي رواه أحمد ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين».

ومن وجهة نظري، أرى أن تلك المقولة التي تلازم البعض قتلت الكثير من جماليات الحياة من حولنا، وولدت سوء الظن بين الناس وفرقتهم، وجعلت بساطة العيش والمشاركة بينهم تكاد أن تتلاشى ولا تذكر!

الخوف من العين والحسد ينافي التوكل وكمال الإيمان، وهو نوع من التناقض، فالمؤمن بعقيدته الراسخة وثقته بخالقه عز وجل يحافظ على أذكار اليوم والليلة، ويحصن نفسه وذريته، ويستودع أموره، وفي الوقت نفسه يعيش مطمئنا وراضيا بكل ما كتب وقدر عليه بعد فعل الأسباب، مستحضرا في كل حين قوله تعالى في سورة التوبة (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون).

ولا يدفع القدر إلا بالقدر، فالعين قدر والدعاء والذكر قدر، كذلك فلنحسن الظن، ولنكن إيجابيين بذكر محاسن الأشياء وفي تقبلها، وبالإشادة بكل ما هو جميل ويسر الخاطر دون أي حساسية.

وقد أثبتت الدراسات أن إبداء المشاعر الإيجابية والتفاعل مع الآخرين ومشاركتهم مهم جدا في تعزيز العلاقات، وأن إخفاءها أمر سلبي، واقرؤوا إن شئتم عن الشخصية المرتابة التي من أهم صفاتها سوء الظن بالآخرين والشك بهم.