باسم سلامه القليطي

الطفل والمطر

الخميس - 30 نوفمبر 2017

Thu - 30 Nov 2017

اعتاد ذلك الطفل القراءة في قصص الأطفال، والتعرف على الأشياء من خلالها، ومن خلال رسوماتها وصورها. ومن جملة الأشياء التي تعرف عليها وأحبها (المطر)، فتعلم مما قرأ وشاهد في القصص أن المطر شيء جميل، وأن الشخصيات في الحكايات تفرح بقدومه، لأنه ذو فوائد متعددة، فهو مهم كي تتفتح الورود والأزهار، ولكي تثمر الأشجار، وبمائه تمتلئ الوديان والآبار، ومنه يشرب الإنسان والحيوان، لذلك استنتج أن المطر رائع وبديع، والمفترض أن يفرح به الجميع.

لكنه بدأ يتساءل: لماذا يفزع أبي وترتعد فرائص أمي إذا ذكروا في الأخبار عن قدوم الأمطار؟! وقاما بإغلاق النوافذ والأبواب، وأعلنا حالة الاستنفار؟! ولماذا عندما نكون بالخارج وتكون السماء ملبدة بالغيوم أرى في ملامحهما التوتر والقلق؟!

ولو سقطت علينا بضع قطرات من المطر أسمع أبي يردد (الله يستر.. الله يستر)، وأمي تجاوبه (إن شاء الله خير، يا رب رحمتك)، ونعود إلى البيت مسرعين! وما هي تلك المقاطع والصور التي يشاهدها أبي وأمي في جواليهما لشوارع تحولت إلى أنهار، وسيارات عائمة وكأنها قوارب، وأنفاق ممتلئة بالمياه كمدينة ألعاب مائية، وازدحام والتحام واصطدام، وأجساد رأيتها على الماء طافية، لا أدري هل هي مستيقظة أم نائمة، وآخرين في الشوارع علقوا، وغيرهم في الحواري فقدوا؟

أهذا هو المطر الذي قرأت عنه في القصص والحكايات؟! أم هي ظاهرة كونية مخيفة شبيهة بالمطر ولها اسم آخر، أم إن هذه القصص التي قرأتها كانت حالمة وخيالية، أو ربما ما أشاهده من مقاطع هو مجرد خدع سينمائية؟ وتظل الأسئلة تحاصر عقلي الصغير حتى قررت أن أسأل أبي عن الحقيقة، والغريب أن إجابة أبي على كل تساؤلاتي العميقة، لم تستغرق منه سوى دقيقة، وفهمت كيف أن نعمة المطر تحولت إلى نقمة، وكيف أن رؤية السحاب صارت تنذر بالخراب، فالجواب واضح حتى لطفل صغير مثلي، وكذلك تعرفت على فائدة جديدة للمطر، أنه (كاشف لفساد العباد).

ومما علمتني إياه أمي أن الدعاء وقت المطر مستجاب، لذلك كلما هطل علينا المطر وكنا حبيسي البيت طبعا، أقف رافعا يدي متضرعا لله عز وجل وأدعوه «يا رب ما نبغى مطر علشان ما تخرب البيوت والسيارات وعلشان ما تموت الناس».