الساعة الواحدة وخمس وستون دقيقة!

الخميس - 30 نوفمبر 2017

Thu - 30 Nov 2017

سألت ابني الصغير عن الساعة، فأجاب بأنها «الواحدة وخمس وستون دقيقة»!. لا أدري لماذا وقفت للحظات عند جوابه، فقد هزني لبرهة على الرغم من براءته. هذا الجواب أخذني إلى معنى الوقت في حياتنا، وكيف أحيانا نتشبث بما مضى ومحاولة الرجوع بالزمن لعيش اللحظة بطريقة أفضل. الأدهى والأمر من ذلك أن نحاول عيش اللحظة مع أشخاص قد فارقونا وكانوا يعيشون بين ظهرانينا ولكن لم نلتفت إلى وجودهم أو حتى بإعطائهم حقهم من العواطف والأحاسيس الجميلة والشعور الطيب، الذي نحمله في قلوبنا اتجاههم، ولكننا قترنا في ذلك وتلاهينا عن توصيله لهم إما سهوا أو تكاسلا.

الساعة الواحدة قد مضت بكل ما تحمل من مشاعر وأشخاص وأماكن وكل ما تعني الحياة القصيرة لنا. لا توجد حتى خمس دقائق إضافية تبقي الساعة الواحدة بيننا، أصبحت الثانية وخمس دقائق، والوقت كما قيل كالسيف، ذي حدين إما لك أو عليك!

لماذا في أحيان كثيرة لا نستقطع اليسير من أوقاتنا ونعبر بمكنوننا لمن نرتبط بهم على جميع الفئات ومختلف العلاقات. لماذا ننتظر حتى تأتي الدقيقة الخامسة والستون «المستحيلة» ونتباكى على ذكر محاسنهم. هناك مثل روسي يقول «يكون المرء طيبا إذا جعل الآخرين أفضل». المثل لم يقل بعد أن يغادروا حياتنا. هذا الإشكال نلاحظه كثيرا في التعامل مع أحبابنا الذين يغادرون هذه الحياة الدنيا. نحاول أن نجعلهم الأفضل بعد فوات الأوان.

قال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: «تمسكوا بأحبتكم جيدا، وعبروا لهم عن حبكم، واغفروا زلاتهم، فقد ترحلون أو يرحلون يوما، وفي القلب لهم حديث وشوق، واحذروا أن تخيطوا جراحكم قبل تنظيفها من الداخل، (ناقشوا، برروا، اشرحوا، اعترفوا) فالحياة قصيرة جدا، لا تستحق الحقد، والحسد، والبغض، وقطع الرحم، والمخاصمة».

للأسف الشديد، استفحلت ظاهرة «الوقت الضائع» بل أسميها «متلازمة الوقت الناكص». (في المعاجم معنى نكص على عقبيه: رجع عما كان عليه من الخير، ولا يقال ذلك إلا في الرجوع عن الخير). من المستحسن ألا ننكص عن الخير ما دام ممكنا. أغلبنا يتحسر على الزمن الجميل مع أننا نحن من جعله جميلا، وبإمكاننا أن نجعل الحاضر جميلا لنا ولمن حولنا.

نؤمن بأن عمل المسلم لا ينقطع بعد موته، ولكن كم من الأشخاص الذين يجدون من يذكرهم بعد الموت، خدمات ما بعد الموت الموقتة، من مديح للميت والمسارعة بتقديم الولائم الدسمة تقديرا له، كان من الأجدر المبادرة بها وقت حياته. هذه الخدمات التي تحدث في الدقيقة الخامسة والستين لا تعني الشخص كثيرا، أثرها أجمل لو حدثت في الدقيقة الخامسة قبل الساعة الثانية!

نختم بذكر حادثة الأقرع بن حابس مع الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم. عن أبى هريرة رضي الله عنه أن الأقرع بن حابس رضي الله عنه أبصر النبي، صلى الله عليه وسلم، يقبل الحسن، فقال: «إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم»، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، (إنه من لا يرحم، لا يرحم) متفق عليه.