عبدالله المزهر

الحياة لم تأت بعد!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 29 نوفمبر 2017

Wed - 29 Nov 2017

الناس هم التفاصيل الصغيرة التي لا يلتفت لها التاريخ، والناس لا يهتمون كثيرا لما يقوله التاريخ الآن عن الماضي، ولما سيقوله في المستقبل عن الحاضر. هم مشغولون بالحياة وبالبقاء. همهم الوحيد هو تزويد أعمارهم بطاقتها الكافية من الحياة.

الاحتلال الصليبي للقدس ـ على سبيل المثال ـ بدأ عام 1099 بعد مذبحة ذهب ضحيتها ما يقارب السبعين ألفا من البشر بكافة أعمارهم وأجناسهم، وانتهى هذا الاحتلال عام 1187 على يد صلاح الدين.

هذه القصة التاريخية يمكن تلخيصها في بضعة أسطر، هكذا يرويها التاريخ وهذه هي الطريقة التي نقرؤها بها.

لكن ذلك الاحتلال الذي تم تلخيصه في سطرين دام ثمانيا وثمانين سنة. عاش فيها أكثر من جيل، وعاصره بشر لم يكن يقنعهم أن تقول لهم: لا تقلقوا، ستكون هذه المرحلة تاريخا عابرا لا أحد يكاد يتوقف عند تفاصيله.

الناس مروا في هذه القصة كخلفية لا أهمية لها، مجرد ديكور للمشهد التاريخي يمكن الاستغناء عنه دون أن تتغير القصة الرئيسية التي يهتم لها التاريخ.

هل تتخيلون كم القصص التي وقعت خلال هذه الفترة، بعد فترة من هذا الاحتلال لا بد أن الناس أصبحوا يعيشونه على أنه الحياة التي لا يوجد سواها، اعتادوا على ذلك وأصبح الحديث عن نهايته مجرد قصص عبثية لا أهمية لها، والحديث عن حياة طبيعية ربما يكون حديثا عن الأحلام التي لا يمكن تحقيقها. وبعضهم ربما آمن يقينا أن تلك هي الحياة الطبيعية، وأنه لا يوجد بشر آخرون يعيشون بطريقة مختلفة. كثيرون عاشوا وماتوا وهم لا يعرفون حياة أخرى. كانوا يفرحون ويحزنون ويتزوجون ويطلقون ويفرقهم الموت وتحدث بينهم الصراعات ويختلفون ويتفقون.

في تلك الفترة من المؤكد أن كثيرا من الجرائم قد وقعت، وكثيرا من قصص الحب قد حدثت. كان هناك أطفال ولدوا وكانت لديهم أحلامهم التي كبرت وعاشت وشاخت ثم ماتت معهم دون أن تتحقق.

هذا التفكير يرعبني أحيانا، ويجعلني أعيش سعادة اللامبالاة في أحيان أخرى، سيأتي يوم ما وستكون كل همومي ومشاكلي وأحزاني وأفراحي وتوقعاتي وأحلامي وخوفي من المستقبل وندمي على الماضي أشياء لا قيمة لها، وستكون كل المرحلة التي أعيشها الآن والتي سيعيشها أبنائي وأحفادي وكافة البشر الذين تطحنهم الأحداث والحروب وتتصارع حولهم القوى العظمى مجرد بضعة أسطر في كتاب تاريخ لا أحد يقرؤه ولا يهتم له.

وعلى أي حال..

أظن أن أهمية الإيمان باليوم الآخر، وأنه أحد أركان الإيمان ليس من أجل اليوم الآخر نفسه، وليس لأن الله بحاجة لإيمان البشر وتصديقهم، الإيمان بذلك اليوم يعني أن يعيش البشر حياتهم بشكل طبيعي ومنطقي، ولذلك لا أفهم كيف يتقبل الذين ينكرون اليوم الآخر حياتهم، كيف يستسيغون فكرة الظلم والتهميش والقهر إذا كانت الحياة ستنتهي فعلا دون أن تكون بداية حياة أخرى.

@agrni